Le dernier Livre de Frédéric Lenoir:
L’ODYSSÉE DU SACRÉ:
La grande histoire des croyances et des spiritualités des origines à nos jours
:ملحمة المقدّس
المسيرة الكبرى للمعتقدات والتجارب الرّوحيّة من البدايات إلى عصرنا الح
Editions Albin Michel 2023
يقول فريديريك لونوار في مقدمة كتابه: » في البدء كان الخوفُ وكان التّعجب. هكذا ولد الشعور بالمقدّس. ومن تلك المشاعر الأساسيّة تولّدت الدهشة، ثم التساؤل. وبدأت مغامرةُ البشرية الفلسفيةُ والروحية العظيمة.
وحالما ظهر الإنسان العاقل، نظّم طقوساً جنائزية ونقش مناظر رمزية على جدران الكهوف تستحضر شكلاً من أشكال التديّن المرتبط بالطبيعة. ، فقد تمّ بناء كلِّ الحضارات حول المعتقدات والممارسات الدينية لأكثر من 5000 عام. وعلى الرغم من أنّ الدين تراجع على نحو حادّ في أوروبا خلال القرنين الماضيين، فإن هناك اليوم أكثر من 6 مليارات شخص منتمِين دينيًّا. ونحن نشهد في الغرب ظهور تجاربَ روحيّة فردية جديدة تكشف عن أنّ الحاجة إلى المعنى وإلى المقدّس ما تزال قائمة.
فما السبب في كون الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يمارس طقوس الموت؟ ولِمَ يكون هو الوحيد الذي يشيّد المباني لعبادة القوى غير المرئيّة؟ وهو الوحيد الذي ينظّم حياته وفق معتقداتٍ حول الآخرة وكيانات عليا؟ وهو الوحيد الذي طوّر الفكر الرمزيَّ واللغة المجرّدة واخترع الأساطير العظيمة والقصصَ الجماعيّة؟
فمثلما أنّ الإنسان حيوان سياسيّ، هو أيضا حيوان روحي وديني.
وبما أنّه يمكن أنْ تكون للكلمات دلالاتٌ مختلفة باختلاف المؤلفين الذين يستخدمونها، فمن الضروري أنْ أبدأ بتعريف ما أعنيه بالدّين، والروحانية والمعتقد المقدس والوجود والتعالي، وما إلى ذلك.
ما الدين؟ ،، من المكن أنْ تكون كلمة « دين »
religio
في اللّاتينية منحدرةً من الفعْل
relegere
الذي يعني: « جَمَعَ ورَاقَبَ ودَقَّق بعناية »: ويلاحظ المرءُ بحذر وانتباه أنَّ الفعل يشير إلى تجربة داخلية وإلى تعليم يتمّ تلقّيه. غير أنّ كلمة
religio
يمكن أن تنحدر أيضًا من الفعل
religare،
الذي يعني « وصَل، أنشأ رابطة بين البشر »، وفي هذه الحالة، يكون دالاًّ على ضمان تماسك الجماعة حول معتقداتٍ وممارسات وقيمٍ مشتركة.
إنَّ هذا التأثيل اللّغويّ يصف بشكل جيّد البعْدين الأساسييْن للدّين: بُعْدَهُ الباطنيَّ، وبُعدَه الاجتماعيَّ.
ولأنَّ علم الاجتماع يهتم بالحياة في المجتمع، فقد فضّل دائمًا تعريفا جماعيّا للظاهرة الدينية.
فـإميل دوركهايم (1858-1917)، مؤسّس علم الاجتماع، يعرّف الدين باعتباره « نظاما موحّدا من المعتقداتِ والممارسات المتعلقة بالأشياء المقدّسة » التي تعزّز التكاملَ والتنظيم الاجتماعيَّ.
ودعونا نؤكد أنّ دوركهايم لا يربط مفهوم المقدّس بالتجربة الباطنيّة الفرديّة، بل ببعده الثقافيِّ: فالمقدّس هو ما تحدّده جماعةٌ بشريّة على هذا النحو وتفصلُه لتمييزه من المدنس. وحتى يومنا هذا، يُعرِّف عالم الاجتماع دانييل هيرفيو ليجيه الدّين بأنّه » كلّ أشكال الاعتقاد التي تبرّر نفسها بشكل تامّ من خلال الانخراط الذي تشترطه في رؤية عقائديّة (محدّدة) « .
تؤكد هذه التعريفاتُ الوظيفيّة للدين بصفة مشروعة على البعد الجماعي للظاهرة الدينية، لكنها لا تحدّد محتوى الدين. فبهذه التعريفات يمكننا القول عن أيّ معتقد جماعي، أو أيّ شيء تقدّسه مجموعةٌ مّا، إنّه ذو طبيعة دينيّة. وبذلك يمكن اعتبار الوطنيّة والرياضة والموسيقى وحتى العلم أشكالا من التديّن طالما أنَّ المجتمع يقدّسُها، وهذا ما يحدث في بعض الأحيان. وهكذا، يقع اختزالُ المجال الدينيّ في فهم وظيفيٍّ بحت حيث يمكن وصف كلِّ معتقد ومقدّس جماعي على أنه دينيّ.
لذلك يبدو لي ضروريّا، مثلما دعا إلى ذلك عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر(1864-1920)، ألّا يتمّ تعريف الدّين من خلال وظيفته (خلق روابط اجتماعية حول شكْل مَّا من أشكال المعتقد أو القدسيّة) فحسب، بل أيضًا من خلال محتواه، أعني من خلال التجربة أو الإيمان بعالم ما- فوق عقليّ وبقوى خارقةٍ للطبيعة.
ولِنُؤكِّدْ أيضًا على أنَّ بعض الأفراد يمكن أنْ يؤمنوا بقوى غير مرئية أو بعالم ما- فوق عقليّ دون الارتباط لزومًا بمجموعة أو الانخراط في (منظومة) تقاليد. إذ كيف يمكننا أنْ نصف هؤلاء المؤمنين المتوحّدين؟
لتسليط الضوءِ على هذه الأسئلة الأساسية، سأنطلق ممّا يبدو لي أنّه الأكثر كونيّة: أي الانفعال في مواجهة غموض العالم والتساؤل حول لغز الوجود. فكيف يمكننا وصفُ هذه التجربة العاطفية وهذا التساؤل عن المعنى؟ إنّ كلمتيْن تبدوان مناسبتين هنا هما: الروحانية والمقدّس. وبما أنَّ الإنسان العاقل
homo sapiens
يمثّل كائنا بشرانيّا
(hominidé)
متمتّعا بروح
(homo Spiritus)،
فإنّه يمكننا القولُ عنه إنّه إنسانٌ روحاني. وهذا البعد الروحانيّ الذي يخصّ الإنسان وحده دفعه إلى تطوير عقلانيّة خاصّة به قادرة على التجريد والترميز، ومن ثمّ إلى التساؤل عن سرّ العالم ولغز الوجود. ثمّ إنّه قاده إلى خوض تجربة أساسية هي تجربة المقدس.
فعلى خطى الفيلسوف الألماني والمتخصّص في دراسة الأديان رودولف أوتو (1869-1937)، أعني بكلمة « مقدس » تلك التجربةَ الباطنيّة والمثيرة التي يمكن أنْ يعيشها أيُّ إنسان عندما يواجه جمالَ الحياة والعالمِ وغموضَهما. إنّ هذه التجربة، مثلما يوضّح ذلك أوتو، هي مزيجٌ من الدهشة والخوف والحبّ والرعب في مواجهة عظمة الكون التي تتجاوزنا وتحضننا. وأضيفُ إلى ما تقدّم أنّ الشعور بالمقدس ينشأ أيضًا من إدراك محدوديتنا وتجربة موت أقربائنا. فإذا كان الإنسان العاقل يمارس منذ ظهوره طقوسَ الموت، فذلك لأنّه كان يشعر بمواجهته حدثًا ذا أهميةٍ كبيرةٍ، وأنّه لا يستطيع التخلّي عن بقايا الميّت دون القيام بطقوس رمزيّة قوية تُظهر قدسيّةَ تلك اللّحظة المؤلمة والمحزنة والغامضة التي نتساءلُ أثناءها عن محدوديتنا وعن مآلٍ مُحتملٍ للرّوح بعد الوفاةِ.
إنَّ هذا الشعور الباطني بالمقدس هو دونَ شكٍّ أصلُ الأديان، لكن من المؤكّد أنّه يمكن أن يوجد لدى أشخاص ملحدين أو غير ملتزمين بأيِّة عقيدة دينية. وقد ذكر ألبرت أينشتاين ذلك بوضوحٍ في كتابه » كيف أرى العالم »، حيث يقول: « ينتابني شعورٌ قويّ جدّا في مواجهة سرّ الحياة. وهذا الشعور هو ما يؤسّس الجمال والحقيقة، وهو ما يُثيرُ الفنَّ والعلم. وما لم يَعِشْ أحدُهم تجربة هذا الإحساس أو توقّف عن الشعور بالدهشة أو المفاجأة، فسيكون حيّا/ميّتًا فاقدًا البصَرَ منذ تلك اللّحظة. »
إذا كان البعد الروحيُّ في الإنسان قادرا على جعله يعيش تجربة المقدس الباطنيّة والكونيّة هذه، فهو قادرٌ أيضًا على جعله يشعر أو يؤمن بقوى غير مرئيّة. ولذلك فإنّه ينبغي التمييز بين أولئك الذين يعيشون تجربة روحيّة دون إيمانٍ بعالم فوق حسّي أو بخلود النفس وبين أولئك الذين يعيشون التجربة نفسَها وهم يؤمنون بوجود عالَم ما-فوق حسّي وبخلود النفس. يوجد هذان التصوّران الفلسفيان منذ آلاف السنين: يُسمّى الأول تصوّرا « ماديّا » والثاني تصوّرا « روحيًّا ». وهكذا يمكن اعتبار أفلاطون في العصور القديمة مفكرا روحانيا لأنه كان يؤمن بخلود النفس وبوجود عالَم إلهيّ غير مرئي، أما أبيقور فقد كان مفكّرا ماديّا لأنه لا يؤمن بذلك… ولكنّ هذا لا يمنعه من أنْ يكون روحانيا بامتياز. وفي أيّامنا هذه، يؤكّد الفيلسوفُ الفرنسي أندريه كونت سبونفيل على حقيقة وجود روحانيّة لائيكيّة، بل إلحادية، وعلى أنّه لا ينبغي اختزال ــ. الروحانية (حيث سأضيف إلى ذلك تجربة المقدّس) في بعدها الرّوحي والديني « ـ.
«
Au commencement étaient la crainte et l’émerveillement. Ainsi est né le sentiment du sacré. De ces émotions fonda- mentales ont surgi l’étonnement, puis le questionnement. La grande aventure philosophique et spirituelle de l’humanité commençait.
« Dès son apparition, homo sapiens organise des rituels funéraires et grave sur les parois des cavernes des scènes symboliques qui évoquent une forme de religiosité liée à la nature. Depuis plus de 5 000 ans, toutes les civilisations se sont édifiées autour de croyances et de pratiques religieuses. Même si la religion a fortement reculé en Europe au cours des deux derniers siècles, l’humanité compte de nos jours plus de 6 milliards de personnes revendiquant une appartenance religieuse, et on assiste en Occident à l’émergence de nouvelles quêtes spirituelles individuelles qui montrent que le besoin de sens et de sacré est encore vivace.
Pourquoi l’être humain est-il le seul animal qui ritualise la mort ? Le seul qui construit des édifices pour rendre un culte à des forces invisibles ? Le seul qui organise sa vie en fonction de croyances en un arrière-monde ou en des entités supérieures ? Le seul qui a développé une pensée symbolique, un langage abstrait et inventé des grands mythes et récits col- lectifs ? De même qu’il est un animal politique, l’être humain est un animal spirituel et religieux. » Frédéric Lenoir, Introduction du livre.