Platon commenté de nouveau en 2000 pages __أفلاطون في أكثر من 2000 صفحة لمجرد إعادة تفسيره وتخليصه من الدوغم
الكاتب: إبراهيم العريس باحث وكاتب
في الصورة_لوحة لأنسلم فيورباخ تمثل « مأدبة أفلاطون » (1869) (موقع الفيلسوف)_
:INDEPENDENT المصدر : الأندبندنت العربية
كان لا مفر من أن يطرح المعنيون بالفلسفة اليونانية بصورة عامة، وبأفلاطون بصورة خاصة، حين لاحظوا خلال العقود السابقة تصاعد الاهتمام بأبي الفلسفة هذا، عند قراء لم يكن عددهم معهوداً، ولا سيما فرنسا، أسئلة عديدة بعضها مصحوب بالدهشة، إذ يقال عادة إنه « أصل الفلسفة »، وبعضها الآخر مصحوب بشيء من الرضا والتفاؤل بما إذا كانت إنسانية معينة قد اختارت أخيراً أن تلج عصر العقل والمنطق بصورة جدية، وليس بصورة عابرة. ترى، تساءلوا: لماذا أفلاطون تحديداً وقد بلغ عدد الطبعات الشعبية الجديدة 10 طبعات فقط من كل كتاب له وأكثر؟ هل لأنه أرخ لأفكار المعلم الأكبر سقراط ولموته؟ هل لأنه عقلن الغيبيات وسعى إلى وأد أنواع معينة من الفكر الخرافي؟ هل لأنه أول فيلسوف في التاريخ وصلت إلينا أعماله كاملة وترجمت بلغات مفهومة؟ أم؟ أم؟ باختصار جمعت تلك الأسئلة وغيرها في سؤال واحد: هل تعني العودة إلى أفلاطون في أيامنا هذه شيئاً ما؟ أم هي مجرد « موضة » نابعة من « شطارة » ناشري الكتب وبائعيها؟ ربما يكون الجواب عن هذا السؤال: الاثنين معاً، ولكن يبقى أن ناشر الكتب لا يمكنه، ومهما كانت « شطارته » أن يفرض « موضة ما » إن لم يكن الجو العام مهيأً لذلك. ومن هنا يبدو أن أفلاطون يمثل عند نوعية جديدة من أصحاب الآراء، حاجة ما، بل حاجة ملحة. ومن الواضح أن هذه النوعية ليست محصورة بعامة القراء من ذوي الدخل المحدود، بل تعدى الأمر هؤلاء إلى فئات أكثر غنى من القراء، وعلى الأقل في فرنسا التي يكاد حديثنا هنا يقتصر عليها.ـ
طبعة غالية الثمن
والدليل أن طبعة غالية الثمن بعض الشيء (نحو 80 دولاراً للنسخة الواحدة) من الحوارات الكاملة لأفلاطون صدرت قبل سنوات قليلة في ترجمات جديدة أو بتعديلات على ترجمات أقدم عهداً في اللغة الفرنسية، نفدت خلال أشهر قليلة يوماً، ولا تزال تطبع من جديد لتفند آلاف النسخ من نسخها في أوقات قياسية. فإذا عرفنا أن عدد صفحات النسخة لا يقل عن 2200 من القطع المتوسطة، سنزداد دهشة بالطبع، بل إن الدهشة ستزداد أكثر إن نحن فهمنا أن كل الكتب التي تضمها هذه المجموعة، كانت صدرت متفرقة خلال السنوات الـ20 السابقة على صدور تلك الطبعة في طبعات شعبية، رخيصة الثمن، فباع كل كتاب منها بما يتراوح بين خمسة آلاف و20 ألف نسخة، بل أكثر من ذلك بكثير بالنسبة مثلاً إلى « الجمهورية » و »الشرائع »، ثم بخاصة « الحوارات السقراطية« .ـ
تطوير أفلاطوني للماركسية
فما الذي يدفع القراء، ولا سيما الشباب منهم، إلى قراءة أفلاطون من جديد؟ هذا سؤال يبدو محيراً للاختصاصيين، خصوصاً أن هؤلاء يرصدون في الوقت نفسه رواج معظم الكتب التي تصدر متحدثة عن أفلاطون أو شارحة أعماله، من دون أن ننسى أعداداً خاصة بأفلاطون وفكره وبيئته وزمنه وبخاصة طموحه كمفكر ليتبوأ مناصب سياسية (ما يتماشى مع نظريته المتعلقة بأن يتولى الحكم فيلسوف، أو ربما مجموعة من الفلاسفة، ولا سيما في رسالته السابعة الشهيرة اليوم شهرة حواراته السقراطية)، أعداداً أصدرتها في أزمنة متقاربة أمهات المطبوعات الفكرية والفلسفية والعلمية غالباً بصيغ حديثة موجهة شكلياً ولغة إلى غير المتخصصين. ويعيدنا هذا كله إلى السؤال الذي أطلقناه أول هذا الكلام، وهو سؤال لا شك أن الإجابة الشافية عنه تحتاج إلى كثير من تلك التفسيرات يطلقها بين الحين والآخر، علماء اجتماع، وفلاسفة، ونقاد. ومن هؤلاء الفيلسوف الآن باديو الذي قال، حينها، إنه في طريقه الآن إلى ترجمة كتاب « الجمهورية » من جديد، وإنه يكتب سيناريو عنوانه « حياة أفلاطون »، مضيفاً أنه يرى ألا مفر اليوم من العودة إلى أفلاطون، لأنه يبدو لنا « دليلاً يقودنا في طريق الزمن الراهن، هو الذي سبق أن أكد أن وصولاً إلى المطلق يبدو ضرورياً كي نحكم أنفسنا في هذا العالم ».ـ
ولعل الشيء الإيجابي من اشتغال باديو على أفلاطون هو أن ذلك الاشتغال أسفر، بعد حين من إعلان هذا الفيلسوف المعاصر عن مشاريعه « الأفلاطونية المقبلة »، عن كتاب يبدو من أفضل ما صدر ليس لأفلاطون، بل عنه بعنوان « جمهورية أفلاطون » يعيد فيه باديو كتابة ذلك الكتاب الأساسي من تراث شيخ الفلسفة الإغريقية. وعلى ضوء آخر المكتشفات المتعلقة بعوامل الفكر الأفلاطوني، ولا سيما أيضاً على ضوء التطورات التي طاولت التفسيرات الماركسية لهذا الفكر، وقد أعادها باديو إلى صوابيتها الماركسية بعيداً من الديماغوجية، بل حتى الأيديولوجية التي تستحوذ على فكر أفلاطون كما يحلو لها.ـ
هل كانت الحوارات مسرحيات؟
أما الفيلسوف فريدريك شيلر، فإنه يكتب في الفترة نفسها تقريباً، وفي سياق هذا التجديد في تلقي الفكر الأفلاطوني ليذكرنا بأن أفلاطون الذي فقد أباه الحقيقي وهو في الثانية من عمره، اتخذ لنفسه وهو في الـ24 أباً روحياً هو سقراط، ومن هنا، فإن فلسفة أفلاطون، تكشف لنا أن الحوارات تتألف من نظريات وأجوبة، لكننا حين نقرؤها نكتشف أن كل أطروحة أفلاطونية هي مجرد فرضية، إذ إن كل « تأكيد » يعيش في انتظار إعادة تفحص له، لرفضه أو قبوله. وهذا هو الفكر الحقيقي في نظر الباحث، الفكر الذي ينطلق من مكانة سقراط في بدايات الفلسفة الإغريقية المدونة، ليصل إلى أرسطو مروراً بالجسر البديع الذي يشكله أفلاطون بلغته الأدبية، بل حتى بلغته الفنية، وتحديداً المسرحية على اعتبار أن شيلر لا يقف شديد البعد عن أولئك الذين يفترضون أن الصياغة الحوارية – المسرحية التي دمج بها أفلاطون حواراته الحقيقية تاريخياً أو التي تغوص في مخيال يؤثر التعبير بتلك الطريقة التي « تكاد » تكون مسرحية، قد يمكن أن تكون كتبت أصلاً لتؤدى ممثلة على مسرح ما!ـ
لأنه الفيلسوف بامتياز
أما بالنسبة إلى عالم « الإغريقيات » الفرنسي لوك بريسون، الذي يعد من أحدث المهتمين الفرنسيين بالتراث الأفلاطوني، وأشرف تحريراً وترجمة وضبطاً على الأعمال الحوارية الكاملة التي صدرت في فرنسا في عام 2008 لتصدر طبعة منقحة لها بعد ذلك بثلاثة أعوام، وقد تحولت إلى « أعمال كاملة لأفلاطون » في نحو 2200 صفحة كما نوهنا أول هذا الكلام، فإن أفلاطون هو « من دون أدنى ريب المؤلف الكلاسيكي الذي يستشعر المرء لذة فائقة، إذ يعيد قراءته بوصفه كاتباً لا يضاهيه أي كاتب آخر ». ويستطرد بريسون في مقدمة تلك المجموعة التي خرج انتشارها منذ زمن، من حلقات المتخصصين إلى الساحة العامة قائلاً « إن أفلاطون الذي أسبغ على مصطلح فلسفة قبل ألفيتين تقريباً، المعنى الذي لا يزال يعنيه هذا المصطلح حتى الآن، هو الفيلسوف الحقيقي بامتياز ».ـ
واليوم، بعد انقضاء القرن العشرين الذي كان عصر الأيديولوجيات والأفكار الجاهزة، بات يبدو لنا أن علينا أن نبدأ كل شيء من الصفر: أي أن نستعيد مكاننا كمعاصرين لسقراط الذي انصرف متجولاً في أزقة أثينا وفي ساحاتها العامة، ليساجل المحيطين به حول ماهية وقيمة الحياة البشرية وحول ما يكمن خلف هذا الفعل الفردي أو المدني أو ذاك، كما حول الغايات التي يتوخاها الفرد والمدينة. أما أفلاطون، فإنه من أجل زمانه كما من أجل زماننا، تنطح مقترحاً علينا ممارسة تفكير مستقل داخل الجماعة البشرية لا يكون عليه أن يستند على مبدأ الصراع المتواصل، ويقيناً أن بريسون الذي يعد اليوم في فرنسا وربما أيضاً في أوروبا آخر ورثة تلك السلالة الخيرة من الباحثين في الفكر الإغريقي على خطى بيار فيدال، نيتشه وموزس فينلي وبول فين وجاك لوغوف وكلود موسيه وغيرهم من الكبار، عرف كيف يقدم بهذه العبارات البسيطة الجواب الأوفى عن أسئلة مثل « لماذا أفلاطون؟ ولماذا الآن؟ »، إعادة ترجمة؟ بل إعادة تفسير.ـ
يبقى أن نذكر أن أعمال أفلاطون المجموعة هنا، في ترجمة فرنسية مفسرة ومستندة إلى آلاف المراجع والحافلة بآلاف الملاحظات، كانت عملاً دأب عليه المترجم لوك بريسون منذ زمن طويل، ليحل محل ترجمات قديمة كانت متداولة في فرنسا، منذ سنوات طويلة. وبريسون قدم لمشروعه بقوله على أية حال: لا أعتقد أن ترجمتي يجب أن تلغي الترجمات السابقة، بل يجب أن تضاف إليها وتتكامل معها، لأن كل ترجمة هي إعادة تفسير إضافية.ـ