التقى بول كلي ، أحد رواد الفن في القرن العشرين ، بمهنته كرسام خلال رحلته إلى تونس عام 1914.

أمام أسوار القيروان كانت الإضاءة التالية تنير ذهن الرسام بول كلي: “اللون وأنا شيء واحد. فأنا رسّام”.

 في ذلك الوقت، كان  بول كلي بصدد البحث عن طريقه كرجل وكفنان. ومباشرة بعد انبلاج هذا النور في ذهنه، اختصر إقامته وسارع إلى العودة إلى أوروبا لمباشرة الرسم.

ولد “بول كلي” ذو الأصول الألمانية في سويسرا يوم 18 ديسمبر 1879، أما زيارته لتونس فقد كانت في ربيع عام 1914 برفقة الرسّاميْن “أوغست ماكي” و”لويس مويليت”. ثم أقنعته أمه، وهي أصيلة بروفانس بأن له جذور “شرقية”. فكان لاكتشافه تونس أثر عميق في نفسه. لذلك يتساءل في يوميات سفره قائلا:  “هل هو وطني؟ “.

كانت رؤيته الأولى، وقد وصل للتوّ عبر البحر، هي مشهد لقرية سيدي بو سعيد  بالقرب من مدينة تونس: “عمارة بيضاء ذات إيقاع صارم … تجسيد لحكاية جميلة …” ثم قام في فترة لاحقة بسرد ليلة رائعة لاكتمال القمر في ضاحية “سان جرمان” جنوب تونس (تسمّى “الزهراء” حاليًا). يقول عن بلك الليلة: “كان المساء لا يوصف … ستظلّ تلك الليلة محفورة في أعماق ذاكرتي إلى الأبد”. وما أذهله أيضًا هو رصانة المدن والمناظر الطبيعية، حيث “يسود هدوءٌ عظيمٌ في كل مكان”.

طوال حياته، رسم “بول كل”ي أشكالًا صغيرة جدًا تذكرنا بفن المنمنمات. تمثل لوحاته أحيانًا مدنًا خيالية في خطوط متقطعة، ومناظر طبيعية ليلية تبدو محملة بكل شعر الحكايات العجيبة. وكذلك العلامات الغامضة – مثل الحروف المعزولة  والسهام  والخطوط المنكسرة – كان ذلك بمثابة صدى لفن الخط أو الرموز الأمازيغية التي تمكن من اكتشافها خلال رحلته.

إن قصة رحلة بول كلي إلى تونس ليست قصة إلهام سطحي ، بل هي قصة انطباع عميق ودائم. هذه هي قصة اللقاء السعيد بين رسّام من الشمال ودولة جنوبية تعرّف فيها على نفسه.

سنة 1925 عرض “بول كلي أعماله في غاليري “رافان راسباييل” بباريس