الثـــــــــــــــــــقافة لــــــــــــــــــــــــم تــــــــــــمنع يومــــــــــــــــــا أحــــــــــــــــدا من أن يــــــــــــــكون وَغْـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدًا

Luc Ferry : “La culture n’a jamais empêché quiconque d’être un salaud”

 PHILOSOPHIE MAGAZINE
22 – SEPTEMBRE 2018

ترجمة: الاستاذ يوسف اسحيردة : باحث ومترجم مغربي، مهتم بالشأن الديني والفلسفي



لوك فري، ولد في 3 جانفي 1951، رجل سياسة وفيلسوف فرنسي معاصر. درس الفلسفة والعلوم السياسية وشغل مناصب وزير الشباب ووزير التربية الوطنية والبحث في حكومتي “جون بيار رافاران” في ما بين 2002 و2004
نشر أعمال عديدة من بينها على سبيل الذكر
 Luc Ferry et Alain RenautLa Pensée 68 : Essai sur l’antihumanisme contemporain, 1985  
وكان آخر ما صدر له هو كتاب:
 Sagesse et folie du monde qui vient. Comment s’y préparer, comment y préparer nos enfants, 2019, avec Nicolas Bouzou, XO éditions.

تصدير:

النازية البارحة، السلفية الإسلامية اليوم، قاما بتبديد الاعتقاد الموروث عن الأنوار،  والذي بحسبه يمكن القول بأن تقدم الحضارة والمعارف سيؤدي مباشرة إلى تقدم الأخلاق. انطلاقا من خيبة الأمل هذه ، يدافع الفيلسوف ووزير التعليم السابق، لوك فيري، في هذا الحوار عن مبدأ التربية على الحرية في زمن تتخطى فيه التكنولوجيا الجديدة حيز كل الممكنات.

Le nazisme hier, l’islamisme aujourd’hui ont fait voler en éclats la croyance héritée des Lumières selon laquelle le progrès de la civilisation et des connaissances entraînerait celui de la moralité. Partant de cette désillusion, le philosophe et ancien ministre de l’Éducation défend le principe d’une instruction à la liberté à l’heure où les nouvelles technologies bouleversent le champ des possibles. 

https://www.philomag.com/articles/luc-ferry-la-culture-na-jamais-empeche-quiconque-detre-un-salaud :رابط نحو نص الحوار بالفرنسيّة

الصحفي : هل التربية تجعلنا أفضل؟

لوك فيري : الثقافة (المعرفة) لم تمنع يوما أي شخص من أن يكون وغدا. الإيمان بإمكانية تطوير الجنس البشري عن طريق التربية، شكل وهم الأنوار الأكبر. لقد تعلمنا بفضل النازية والسلفية الإسلامية، بأنه يمكن للمرء أن يكون مثقفا وينجرف بسهولة وراء الكراهية، العنصرية والعنف. هايدغر الذي كان، حسب رأيي، أبرز فيلسوف في القرن العشرين، كان هتلريا ومعاديا للسامية.  ألمانيا التي كانت البلد الأكثر ثقافة ومعرفة في سنوات 1930، والتي كانت تضم أحسن وأرقى نظام مدرسي وجامعي في كل العالم، قد انخرطت بمحض إرادتها  فيالبربرية والهمجية، أمام  الصمت المطبق لمعظم مثقفيها“ فساد الصفوة هو الأسوأ”.

 : “Corruptio optimi pesima

نفس الشيء مع السلفية الإسلامية. بن لادن كان كل شيء سوى أميا. في 1985 قابلت عددا من قيادات جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، كلهم كانوا متخرجين من أفضل الجامعات..

Philosophie magazine n°122 août 2018

الوهم الأكبر للأنوار كان في الاعتقاد بأن التطور الحضاري والتطور الأخلاقي، يسيران بنفس الوتيرة. في حين أن التربية الأخلاقية لا علاقة تجمعها بالتربية الفكرية أو بالثقافة عموما. اكتشاف هذا الانفصال، شكل أكبر صحوة عرفتها البشرية خلال النصف الثاني من القرن العشرين. من المحزن ألا نُقَدِّر، حتى الآن، هذا الفرق.  

الصحفي : في الواقع، نحن نواصل الرهان على التربية من أجل محاربة الشر. التطرف، العنصرية، الذكورية، الهموفوبيا…بمجرد ما يظهر أي مشكل  في المجتمع، نتوجه إلى المدرسة من أجل معالجته.

لوك فيري : هذا ما يسميه  صديقي جاك جيار ب “الصرف المدرسي”، على غرار “الصرف الصحي.” إننا نلقي على كاهل المدرسة مسؤولية محاربة كل آفات العصر. هذا الأمر نابع من قصور في التفكير في ما يخص الفرق بين النبوغ والأخلاق.

من فتح مدرسة أغلق سجناً ” : عادة ما تُنسب هذه المقولة إلى فيكتور هيجو، الذي لم ينطق بها قط، مع التذكير بأن الفكرة كانت حاضرة في خطاباته إبان مروره في غرفة البرلمان. الفكرة تظل حاضرة بقوة، اليوم، في أذهان سياسيينا. وهي، بطبيعة الحالة، فكرة مغلوطة.

الصحفي : ما الغاية من التربية في نهاية المطاف؟

لوك فيري : لنفرق أولا بين التعليم والتربية. التعليم يُقدم من طرف مجموعة من المدرسين في مكان عمومي، المدرسة، لصالح مجموعة من التلاميذ. التربية تقدم للأطفال من طرف أبائهم في نطاق خصوصي هو العائلة. الرأي الذي دافعت عنه منذ كنت وزيرا، هو أن التربية يجب أن تسبق التعليم وتعبد له الطريق، في غياب هذا الأمر تصبح المهمة مستحيلة على المعلم.

أزمة التعليم راجعة بالأساس إلى كوْن الأستاذ، غالبا، ما يجد نفسه أمام مجموعة من الأطفال قليلي التربية. عملية توزيع الأدوار بين الآباء والمدرسين لم تعد تعمل بشكل جيد.

الصحفي: هل أفهم من قولك أن الآباء قد تخلوا عن مهمة تربية أبنائهم؟

لوك فيري : لا. في غالب الأحيان، الآباء يفعلون ما بوسعهم، لكنهم يجدون صعوبات لا تنفك تتعاظم في ما يخص تربية الأبناء. السبب يكمن في كون المجتمع الاستهلاكي يملك، في الأساس، نفس بنية الإدمان: كما أن المدمن لا يستطيع التوقف عن الزيادة في حجم الجرعات وتقريب فترات تناولها، فالمستهلك أيضا يجد نفسه سجين منطق ” المزيد دائما”.

هذا ما أسماه الفيلسوف الأمريكي هربيت ماركوز [1898-1979] ب ” انتفاء التسامي الرادع

(La désublimation répressive )  : 

فقد كان من اللازم أن تُفكك القيم التقليدية حتى يصير بإمكاننا نحن وأطفالنا أن نستهلك بدون رادع وبدون توقف.

كما هو معلوم، فدور القيم التقليدية يكمن في إضفاء نوع من الاستقرار على الرغبة بفضل ما يسمى بسلوك التسامي .بكل تأكيد، فالرأسمالية هي التي  كانت وراء موجة تفكيك القيم، التي ميزت القرن العشرين : كان ضروريا وبأي ثمن تسليم الأفراد إلى عالم تنعدم فيه كل الحواجز التي تحول دون تحقيق المتعة الكاملة.

غالبا ما أسيء فهم سبب  نقدي اللاذع لثورة ماي 68. في حقيقة الأمر، كل ما هنالك أني وجدت في هذه الحركة التي قدمت نفسها كثورة سياسية، التحقق النهائي لهذا المنطق الرأسمالي الخاص بالتفكيك في جميع الاتجاهات وكيفما اتفق. في الواقع، خلف الخطاب الثوري البراق، كان يقبع منطق الاستهلاك المفرط. ليس الآباء هم الذين تخلوا عن دورهم التربوي، بقدر ما أصبح المجتمع برمته هو أكبر معرقل لهذه العملية.

الصحفي :  ألا يتعلق الأمر أيضا بتفوق قيمة الحب على قيمة القانون داخل معظم الأسر، كما تؤكدون على ذلك في كتابكم “ثورة الحب (2010)”؟

لوك فيري : بالطبع، لكن الحب، بعيدا عن التسبب في تفكيك القيم التقليدية، قد يشكل، بالأحرى، عاملا مهما من أجل الاهتداء إلى قيم عظيمة. بدافع الحب الذي يكنه الآباء لأولادهم، ينتهي بهم الأمر إلى فهم أن التفكيك ليس دائما في صالح فلذات أكبداهم، بل على العكس من ذلك، أفضل الخدمة يمكن تأديتها لهم، هي جعلهم يتشبعون بقيم عظيمة.

الصحفي : لم تخبرني بعد بمقاصد التربية. ما هي؟

لوك فيري : خلال عقود طويلة في الغرب، ظل هذا الميدان مجالا لتصادم رأيين مختلفين حول التربية. رأي يشدد على ضرورة تنمية القدرات، ورأي آخر يؤكد على ضرورة تقدير الذات. المدرسة الجمهورية، منذ “رسالة إلى المدرسين” التي كتبها جيل فيري سنة 1883، جعلت من مهمتها الرئيسية، تنمية قدرات الأطفال. يتعلق الأمر بجعل التلميذ غير ما كان عليه في البداية عن طريق منحه إمكانية الولوج إلى المعارف والأعمال الكبرى.

 بداية من سنوات 1960، قام ” التجديد البيداغوجي”  بإعطاء الأولوية لتقدير الذات على حساب تنمية القدرات. إذن، “صر كما أنت”، وهي فكرة موروثة عن نيتشه وفرويد، ستنتصر على فكرة ” صر غير ما كنت”. هذا هو سبب الخلاف الشهير بين البيداغوجيين والجماهيريين. شخصيا، لا أظن أن من الواجب الاختيار بين الاثنين. يلزمنا فقط الربط بينهما. المدرسة مطالبة بتنمية وتعليم التلاميذ، في حين تبقى على عاتق العائلة مهمة تربية الأطفال وتعزيز تقديرهم لأنفسهم.

الصحفي : عادة ما يتم ربط التعليم بمفهوم التربية عند أرسطو

  (Paideia)

. ولكن، وعلى العكس من ذلك، فأنت تدافع عن الفكرة التي مفادها أن المحدثين قد قطعوا نهائيا مع هذا التقليد.

لوك فيري : أمر بديهي. عند أرسطو، دور التربية هو تسهيل المرور من الوجود بالقوة

(dunamis)

 إلى الوجود بالفعل

  (energia)،

أي تفعيل ما هو كامن بالقوة عند الطفل. بعد تفعيل هذه القدرات، لا يمكن إضافة أي شيء آخر. فالتربية مهمة محدودة إذن.  ونضيف بأن هدف التربية  الارستقراطية الإغريقية، كان، أولا وقبل كل شيء، هو تفعيل قدرات العناصر الأفضل. يتعلق الأمر إذن بتربية ارستقراطية  ومحدودة في الزمن.

 مع بيك الميراندولي وروسو ظهرت فكرة التحسين

(la perfectibilité)

. فنحن لسنا بكائنات محكومة بالطبيعة، وإنما كائنات حرة وماهرة، تتميز بالقدرة على  التطور اللامحدود افتراضيا، ما يفتح المجال واسعا أمام إمكانية تربية ديمقراطية طيلة سنوات الحياة.

الصحفي : ألا يوجد هناك انقسام عند المحدثين بين التربية الحسية والنشطة كما نجدها عند روسو، وبين  أسلوب الانضباط الذي دافع عنه كانط؟ انقسام نعاينه اليوم بين دعاة الطرق النشطة و بين المدافعين عن الأساسيات…

لوك فيري : لا أظن ذلك. كانط كان منبهرا ب “إميل” . بالنسبة لروسو كما بالنسبة لكانط، يتعلق الأمر بتطوير التربية عن طريق الأشياء عوض الأشخاص. ماذا يعني ذلك؟ في كتابه “تأملات حول التربية”، وضح كانط أن هناك ثلاث طرق بيذاغوجية، كل واحدة منها توافق نظاما سياسيا معينا: التربية عن طريق اللعب، في أشارة إلى النظام الفوضوي ؛ التربية عن طريق الترويض في إشارة إلى النظام الاستبدادي ، وأخيرا، التربية عن طريق العمل، النشطة منها والسلبية، في أشارة إلى النظام الجمهوري  حيث يكون الطفل مطالبا بالتعلم عن طريق تجاوز مختلف العقبات، ما يعرف ب “الوضعيات”. دور المدرس هنا يتجلى في وضع التلميذ أمام العقبة (الوضعية) المناسبة، بحسب سنه ومستواه.

وبالتالي، فالطرق النشطة تشكل استمرارية لعقد روسو،حيث أن المواطن يكون فعالا وسيدا حين يصوت على القانون، ولكنه يتحول إلى مجرد موضوع ومفعول به حين يطيعه. مثل المواطن، يجب أن يكون الطفل سيدا ومسودا في العمل. من هذا المنظور، فهناك تناغم ما بين فكرة الجمهورية، الطرق النشطة وتقييم العمل.

الصحفي : معروف عليك اهتمامك بالثورة التي يحدثها الذكاء الاصطناعي في كل المجالات. ما مدى تأثير ذلك  على مجال التربية ؟

لوك فيري : إنه يضعنا أمام سؤال مصيري : ما المهن التي يستوجب علينا توجيه أطفالنا نحوها؟ والإجابة تفرض نفسها : نحو المهن التي ستفلت  من قبضة الذكاء الاصطناعي، أي تلك التي ستواصل الاعتماد على الربط بين الدماغ، القلب واليد؛ الذكاء، العلاقات الاجتماعية والمهارة. بعبارة واحدة، يمكن القول بأن: المتخصص في مجال طبي معين، سيختفي قبل الطبيب العام، وهذا الأخير سيختفي قبل الممرضة.

هذا التحول التكنولوجي سيقلب وجودنا رأسا على عقب في 30 سنة القادمة، أكثر مما حدث طيلة 3 آلاف سنة الماضية. والتحدي الذي ينتظرنا في مجال التربية، ليس هو تكييف أطفالنا مع عالم اليوم، بل إعدادهم لمواجهة عالم الغد.

الصحفي : الثورة التكنولوجية تدعي جعلنا أفضل. لكنك تحدد طريقين مختلفين من أجل التحسين، طريق “ما بعد الإنسانية” (posthumanisme)،

 وطريق “الإنسانية الانتقالية

” (transhumanisme)

.  ما الفرق بينهما؟

لوك فيري : مصطلح ” ما بعد الإنسانية” يرتكز على اقتناع –تدافع عنه جامعة التفرد

 (L’université de la singularité)

ويموله جوجل – مفاده أننا سنتوصل يوما إلى صناعة ترابطات عصبية  بالاعتماد على أساس غير بيولوجي، لنقل السليكون وليس الكاربون.

وبالتالي، فسنكون بفعلتنا هذه، قد أخرجنا إلى الوجود كائنا قادرا على التفكير، وليس الحساب فحسب. هذا ما ندعوه بالذكاء الاصطناعي الفائق. إذا تحقق هذا الأمر الجلل، فسيشكل خطوة عملاقة بالنسبة للبشرية، كما يقول ستيفن هاوكينغ، لكنها ستكون الخطوة الأخيرة، فقد تجد البشرية نفسها أمام مخلوق دارويني سيعمل كل ما بوسعه من أجل محوها من الوجود. لا أحد يعرف ما مدى مصداقية هذا السيناريو.

أما مصطلح “الإنسانية الانتقالية” فيشير إلى شيء آخر. نحن هنا بصدد الفكرة الأقل إبهار، والتي بموجبها يصير مفهوم التحسين شاملا للجسد الطبيعي أيضا: يتعلق الأمر بتمديد عمر الإنسان حتى يتمكن من الجمع بين تجربة الشيخوخة واندفاعية الشباب وحماسته. ماذا لو عاد الشباب بحيويته يوما، وماذا لو مر العمر سريعا حتى نجمع عصارة تجاربه؟ ما سنفعله هو المصالحة بين الاثنين (الحيوية والتجربة)، وعلى كل حال، لن نخسر شيئا بالمحاولة.  “الإنسانية الانتقالية” لا علاقة لها بفكرة تحسين النسل النازية.

الصحفي : في مواجهة حلم “الإنسانية الانتقالية”، يعترض يورغان هبرماس بقول ما معناه : إن جعل أطفالنا أفضل عن طريق مدهم، منذ الولادة،  بقدرات جسدية أو فكرية إضافية، بالاعتماد على مكتسبات التكنولوجيا البيولوجية، يعني تشويه تصورهم حول معنى الحرية، أي معنى أن يكون المرء قادرا على اختيار ما يريد فعله بحياته…واضح أنك لست متفقا معه؟

لوك فيري : بكل تأكيد. هابرماس يتحدث كما لو أننا لا نمارس، فعليا، أي تأثير على أطفالنا من خلال التربية أو أن هذا التأثير لا يعتد به بالمقارنة مع إحداث تغيير في تكوينهم البيولوجي. لكن التربية التي نمنحها لأطفالنا، الاختيار الدراسي الذي نقوم به لصالحهم وبالنيابة عنهم، لغتهم الأم، وسطهم الاجتماعي، الخ. كلها أشياء تترك بصمة لا تقل حدة عن بصمة الطبيعة.

 الحرية تُمارس دائما انطلاقا من وضعية تاريخية وبيولوجية موروثة. ومن الغباء أن يتخيل المرء بأن العامل البيولوجي أقوى من العامل التاريخي

الصحفي : لكن، أن ترسل أطفالك للدراسة في مؤسسة مرموقة، يعد قرارا قابلة للمراجعة بالمقارنة مع قرار تزويد أدمغتهم  برقاقة تنمي قدرتهم على التذكر….

لوك فيري : في الحالتين معا، القرار لا رجعة فيه. يعتقد البعض بأن كل ما هو ثقافي أو تاريخي، فهو قابل للمراجعة وإعادة النظر. هذا خطأ. التاريخ ليس أقل حتمية من الطبيعة. في الحالتين معا، نحن نمارس حريتنا انطلاقا من وضعية سابقة ومحددة.علاوة على ذلك، ما لا يفهمه هابرماس، هو أنه بمجرد فتح إمكانية التغيير البيولوجي في وجه الجميع، فسيصبح قرار عدم الاستفادة منه بنفس خطورة قرار الاستفادة منه. لنفترض،مثلا، بأني رفضت إجراء عملية تغيرية في جينوم ابني  لأسباب عقائدية، فولد بتشوه خلقي كان بإمكاني تجنيبه إياه، حينها سيصير قراري بعدم التصرف قرار مصيريا يعادل قراري الآخر فيما لو تدخلت قصد تجنيب فلذة كبدي كل هذه المعاناة. وبالتالي فسأظل مسئولا في كل الأحوال

الصحفي : غير أن بعض الناس سيكونون أوفر  حظا من غيرهم في الاستفادة من هذه التحسينات بفضل إمكانياتهم….

لوك فيري : هذه أيضا فكرة مغلوطة تماما حول الموضوع. فأول عملية لتحديد تسلسل الجينوم البشري قد استغرقت مدة 13 عاما وكلف 3 مليارات دولار. اليوم، تكلفة عملية كالتي قامت به أنجيلينا جولي من أجل معرفة  نسبة إمكانية إصابتها بسرطان الثدي، لا تتجاوز 300 دولار. إن دمقرطة التكنولوجية البيولوجية توجد ضمن المنطق العام لهذه الثورة.  

الصحفي:  يُفهم من كلامك أن الطب من سيحمل على عاتقه مهمة التقدم، أكثر من التربية..؟

لوك فيري : إطلاقا. نحن كائنات حرة، وبالتالي كائنات قادرة على الكره والأنانية كما الحب والبذل. التطورات الطبية  لن تغير في واقع الحال شيئا. الشيء الوحيد الذي سيتيحه لنا الطب المعتمد على “الإنسانية الانتقالية”، هو إمكانية العيش طويلا حتى نصير، بفضل تجربة العمر، أقل غباء.

والدي الذي هرب من معسكرات الاعتقال النازية في أربع مناسبات حيث عاش الرعب هناك، غالبا ما أخبرني بأن عدد الحروب كان ليتقلص فيما لو كانت هذه الأخيرة مخصصة فقط للشيوخ الذين تجاوزت أعمارهم 65 عاما.

العيش طويلا سيفتح المجال أمام إمكانية تواجد بشر أكثر حكمة، لكن، لا شيء مضمون بهذا الصدد.

:مؤلفات لوك فري