Extrait de André Comte-Sponville, Présentations de la philosophie, éd. Albin Michel S.A 2000, de la page 41 à 50 __
Traduit en arabe par Hassan Ozal__ترجمة: حسن أوزال
source:
Philosophical Horizons – آفاق فلسفيّة
@ArabPhilosophers · Magazine
ـ »أنْ نُحِبَّ هوّ ما يعني أنْ نَفْرَح” أرسطوإنّ الحبّ هو الموضوع الأكثر أهميّة من بين كلّ المواضيع. وذلك جراء ذلك القَدْر من السعادة الذي بقدرما يَعِدُنا به أو نَخَال أنه يَعِدُنا به من جهة أولى بقدرما يَعْمَل على إِتْلافه ويُهَدِّد بالإجهاز عليه من جهة ثانية. فأيّ موضوع عند الأصدقاء يفوق موضوع الحب متعةً وحميميةً وقوةً؟ وأيّ خطاب مابين العُشَّاق يفوق خطاب الحب لطافةً و يَكُون أكثر منه إزعاجا وغَوْصا في الكثمان؟ وأيّ شيء أكثر إثارة للذات نحو ذاتها مِن العاطفة؟سوف يقول قائل بأنَّ ثمَّة عواطف أخرى عدا عاطفة الحب وبأنَّ ثمَّة أنواعا أخرى من الحب عدا الحبّ العاطفي. وهو مُحِقّ في ذلك بلا شك، بل قد أزعم أكثر من ذلك، أنّه بكلامه هذا إنما يُدَعِّم فَرضِيَّتي. ذلك أن الحبّ إنْ كان بمثابة الموضوع الأكثر أهمية، فذلك ليس يرجع فحسب إلى ما ينطوي عليه هو بحدّ ذاته-جراء السعادة التي يَعِدُنا بها و يَكْفَلُها لنا- بل يرجع أيضا إلى ما ينطوي عليه على نحو غير مباشر: على اعتبار أن كل اهتمام من اهتماماتنا يقتضي الحب. فأنْتَ مثلا إِنْ كُنتَ تَهتمُّ كثيرا بالرياضة أو بالسينما، فهذا ما يعني أنكَ تُحِبُّ الرياضة و تَعْشَق السينما. أمّا إنْ كنتَ تهتمُّ بالمال فهذا ما يفيد أنكَ تُحِبُّ المال أو أنكَ تُحبُّ بالأحرى ما يُمَكِّنكَ مِن شرائه؛ هذا بيد أن اهتمامك بالسياسة هو ما يعني أنكَ تُحبُّ السياسة أو السلطة أو العدل أو الحريّة…أما إنْ كنتَ تَهتَمُّ بِعمَلِك فذلك ما يؤكد أنكَ تُحبُّ عمَلكَ أو أنكَ تحبُّ على الأقل ما يعود به عليك أو سيعود به، مِنْ فَضْل. أمّا اهتمامكَ بسعادتكَ فهوّ ما يفيد بأنكَ تحبُّ نفسَكَ كسائر النَّاس وبأنّ السعادة ليست بلا شك، إلا حُبَّنا لِمَا نَكُونه و لِمَا نَمْلِكه ولِمَا نَفْعله…وأما إنْ كُنتَ تهتمُّ بالفلسفة فذلك ليس إلا لأنها تنطوي في حدّ ذاتها على الحب وتَحْمِلُ دلالته سواء كاسم (مادام أن الفلسفة باللغة اليونانية هي حب الحكمة) أو كموضوع (هل مِنْ حِكمةٍ تفوق حكمةَ الحبّ؟)؛ ولعلّ سقراط الَّذي مافتئ يُبجِّلُه كل الفلاسفة لم يَكُن أبدا يقصِد شيئا آخر غير ذلك. وأكثر من ذلك، يُمْكننا المُضِي بعيدا حدّ القول بأنكَ حتى عندما تهتم بالفاشية والستالينية والموت والحرب، فذلك لا لشيء إلا لأنكَ تُحب كل هذه الأمور أو لأنكَ في الحقيقة تُحبّ بالأحرى ما يتعارض معها من قبيل:الديمقراطية وحقوق الإنسان والسّلم والشّجاعة…الحاصل أنّ اهتماماتنا تتعدَّد بقدرما تتعدَّد أنواع حُبّنا. لكن ما مِنْ اهتمام دونما حب وهذا ما يُعِيدُنِي إلى نقطة انطلاقنا حيث أكَّدْتُ أنّ: الحب هوّ الموضوع الأكثر أهمية ولا أهمية تُذْكَر لأيّ موضوع إلا بحسب ذلك القدْر مِن الحب الذي نَضَعه فيه أو نَجِدُه فيه.يَلزمُنا إذن أنْ نُحِبَّ الحب أو ألا نُحِبَّ بالمرَّة؛ أي بمعنى آخر، يَلزمُنا أن نحبَّ الحبَّ أو أنْ نموت؛ لذلك فالحبّ لا الانتحار هو القضيَّة الفلسفيَّة الوحيدة الجِدِّية حقًّا.إنّني أفكر كما تعلمون في ما كتبه “ألبير كامي” في مُستهل كتابه بعنوان أسطورة سيزيف حيث قال:”لا وجود إلا لقضية فلسفية واحدة جِدّية حقا هيّ:قضية الانتحار. ذلك أنّ الحُكم على أنّ الحياة تَستَحِقُّ أنْ تُعاش أو لا تستحق ذلك،هوّ في حدّ ذاته الجواب على السؤال الأساسي في الفلسفة.”إنّي سأتَّفِقُ بمحض إرادتي مع الشطر الثاني من هذه القولة؛ وهو ما يَمْنعُنِي من القبول كُلِّيا بما جاء في الشطر الأول. بحيث أن محاولتنا للرد على سؤال من قبيل: ألا تستحق الحياة أن تُعاش؟ محاولة ستَجْعلنا نَكتشِف على أنّ الانتحار يكاد يُنحِّي جانبا القضية أكثر ممّا يَعمل على إيجاد حَلٍّ لها؛ هذا خلافا للحب الذي بقدر ما يظل وحده عِمادَها (مادام أن قضية الحب تُطْرَح صباح مساء) بقدرما يفْلح تقريبا في العثور على حلٍّ نهائي لها، طالما أننا أحياء نُرزَق وطالما أنّ الحب هوّ ما يجعلنا نستمر في الحياة. أمّا فيما يخص مسألة الحياة، وعما إذا كانت تستحِقَّ أن تُعاش أوْ لاَ تستحق؛ أو لنقل بالأحرى عما إذا كانت تستحق أنْ تُعاش بمتعة أوْ لاَ تستحق، فهي مسألة تتوقف أوّل ما تتوقف، على ذلك القدْر من الحب الذي نستطيعه؛ وذلك ما لاحظه سبينوزا عندما أكدّ على:”أن سعادتنا كما تعاستنا كلاهما لا يتوقف إلا على مسألة واحدة هي: ما نوع الموضوع الذي نرتبط به بواسطة الحب؟” وإذا كانت السعادة حبٌّ سعيد أو أكثر، فالتعاسة حبٌّ تعيس أوْ لا حبّ بالمرة. يتضح ذلك عندما نَعْرِف أنّ مرض الاكتئاب أو الميلانخوليا هو بحسب فرويد مرض يتميز قبل كل شيء آخر بـ”فقدان القدرة على الحب”، بما في ذلك حب المرء لنفسه. لذلك لا ينبغي لنا أن نَسْتغْرِب أبدا، إنْ كان هذا المرض عموما، مرضا انتحاريا. يبقى الحب إذن هو وحده القادر على أن يجعلنا نحيا ما دام أنه هو ما يجعل الحياة محبوبة. فالحبّ هو المُنقِذ؛ وهو الذي يستدعي الأمر إذن إنقاذه.لكن أيّ حب نقصد؟ ومن أجل أيّ موضوع؟ذلك أنّ الحبّ بطبعه مُتعدِّد تماما مثلما هي مُتعدِّدة مواضيعه. حيث بوسعنا أنْ نُحِبّ المال أو السُّلطة، كما سبق لي أنْ قُلتُ؛لكنّنا قد نُحِب أيضا أصدقاءنا بل كذلك هذا الرجل الذي نُغْرَم به أو هذه المرأة التي نَعْشَقها مثلما قد نُحِبّ أيضا أبناءنا وآباءنا أو أيّا كان: قد نُحِبّ بِكلِّ بساطة، هذا المَوْجُود هُنا، وَالذي ندعوه بالقريب.لكن بِوُسْعِنا كذلك أنْ نُحِب الله، إِنْ كُنّا نُؤْمِن به، وأنْ نُؤْمِن بذواتنا إِنْ كُنّا نُحِبّ ذواتنا على الأقل بعض الشَّيء.وعلى ما يبدو، فإنّ تخصيص الكلمة الواحدة للدلالة على العديد من أنواع الحبّ المختلفة هو مصدر اللّبس، إنْ لم نقل أنه – مادام أن الرَّغبة يَقينًا تَمتزِج بالحبّ – مصدر الأوهام. فهل نحن نَعْرف ما الَّذي نتكلّم عنه عندما نتكلم عن الحبّ؟ ألا نستغلّ عموما هذا اللّبس العالق بكلمة الحبّ، إمّا للتَّستُّر عن أنواع متضاربة من الحبّ أو لتجميلها- أقصد تلك الأنواع النَّرجسيَّة و الأنانية- وإمّا لتعويم أنفسنا في حكايات خياليّة وإمّا لِنَتَوهَّم أننا نُحبُّ شيئا آخر عدا أنفسنا، وإمّا لِنُخْفِي – عِوَض أنْ نُصحِّح- أخطاءنا أو حماقاتنا؟ .إلى هذا الحدّ يتبدَّى أنّ الحبّ يُغرِي الجميع؛ إلاّ أنّ هذا الّذي يبدو مفهوما بشكل مُبالَغٍ فيه هو ما يستدعي منَّا الحيطة والحذر. بحيث أنَّ حُبّ الحقيقة ينبغي أنْ يَكُون دوما مُصاحِبًا لحُبِّ الحُبّ، حتّى يُنِيرَه و يُوَجِّهه، فلا تضمحل بالتَّالي درجة حماسَتِه.أمّا القول مثلا بأنّه على المرء أن يُحبَّ نفسه، فهو من البداهة بمكان: وإلاَّ كيف لَهُم أنْ يُطالبونَنا بأنْ نُحِب قريبنا تماما مثلما نُحِبُّ أنفسنا؟ لكن الخطير والسّائد، إنَّما هو أنَّنا لا نُحِبُّ في غالب الأحيان إلاَّ أنفسنا ومِنْ أجْلِ أنفسنا. فلماذا يطالبوننا خلافا لذلك بأنْ نحب أيضا قريبنا؟هكذا نَكُون بالتّالي، بحاجة إلى مفردات مختلفة للتَّعبير عن أنواع مختلفة من الحبّ. لكنّنا في اللُّغة الفرنسيّة لا نُعانِي نقصا في المفردات حيث يزخر قاموسنا اللغوي بالعديد منها من قبيل: الصداقة، الحنان، الهوى، الانفعال، الارتباط، الميل، اللُّطف، النزوع، التّفضيل، العشق، الإحسان، الشَّهوة… الجلي إذن أنّ مشكلتنا الوحيدة إنّما هي مُشكلة الاختيار؛ إلاَّ أنّ هذا الأمر في الحقيقة أمر مُزعِج.ولا بأس من التوكيد هنا، على أن الإغريق باعتبارهم أكثر وضوحا منا على ما أظن أو أكثر قدرة على التركيب، كانوا يستخدمون أساسا ثلاث مفردات للحديث عن ثلاثة أنواع من الحبّ، ستظلّ بنظري بمثابة الكلمات الثلاثة الأكثر جلاء للتعبير عن الحبّ، في كلّ اللّغات ألا وهي: إيروس، فيليا وأغابي. وقد سبقَ لي أن تَكلَّمتُ عنها بالتّفصيل في كتابي بعنوان:”رسالة صغيرة عن الفضائل الكبيرة”؛ لكنّي سأكتفي هنا فقط بتقديم بعض الشّروحات المقتضبة لا غير.لنتساءل بداية عن معنى “إيروس”؟ إنَّه الّنقص، الَّذي يَلحَقُ عاطفة الحبّ. ذلك أنَّ الحبّ بحسب أفلاطون هوّ حُبُّنا لـ:”ما نَفتقِدُه، ما لَسْنا إيّاه وما يَنقُصُنا” ثمّ يضيف قائلا: “تلكم هي مواضيع الرَّغبة والحبّ “. يتعلّق الأمر إذن بذلك النَّوع من الحبّ الَّذي يأخُذ ويُريد أنْ يمتَلِك وأن يَحُوز. فعندما تقول لأحد مثلا “إنّني أُحِبُّكَ” فقصدك أنْ تقول له “إنَّني أُريدُك”.هذا هو الحبُّ الأسهل، إنْ لم نقل الحبّ العنيف. هكذا نَجِدُ أنفسنا، بالتَّالي في حيرة من أمرنا إذ: كيف لنا أنْ لا نُحِبّ ما يَنْقُصُنا؟ وكيف لنا أنْ نُحِبّ ما لا ينقُصُنا؟.في عمق هذه الحيرة، على ما يظهر، يَكْمُن السرّ الَّذي تنطوي عليه العاطفة (حيث أنّها لا تدوم إلاَ في خضم النّقص، والتَّعاسة، والرُّعب)، وكذا سرّ الدّين (فالله هو ما ينقصنا بشكل كُلِّي)، مادام أنّه ليس بوسع نظير هذا الحبّ إذن، أن يغدو سعيدا دونما إيمان. ومع ذلك فالمرء هاهنا مُجبَر على أنْ يُحِبّ ما لا يَمْلِكُه لِيَتَعذَّب أو أنْ يَمتَلِك ما لَمْ يَعُد يُحِبّه (مادام أنه لا يُحِبُّ إلا ما يَنْقُصُه) فيَغْتَمّ…إنّه عذاب العاطفة وحُزن الأزواج: لذلك يمكننا القول بأنّه لا وجود لِحُبّ (إيروس) سعيد.لكن كيف يمكننا أن نغدو سعداء دونما حبّ؟ وكيف لنا أن لا نكون أبدا سعداء طالما كُنّا نحبّ؟ لعلّ ذلك ما يؤكّد على أن أفلاطون ليس مُحِقا في كلّ شيء ولا دائما. ذلك أنّ النّقص لا يُمَثل الحب في مُجمَله: فقد يجري أحيانا أنْ نُحِب كذلك ما لا يَنقُصُنا- قد نُحِبّ ما نَملِكُه وما نَقُومُ به وما يُوجَد- فنَستَمتِع به بفرح؛ أجلْ نستمتع به ونفرح به! وهذا ما كان الإغريق يُسمُّونه بـ”فيليا” الَّذي هو الحبّ كما يراه أرسطو (“أنْ نُحِبّ هو ما يعني أنْ نَفرَح”)، باعتباره سرّ السَّعادة. إنَّنا حينئذ فقط نُحِبّ ما لا يَنقُصُنا، وما به نَستمْتِع ونَفْرَح أو لنقل بالأحرى أنّ حُبّنا لا يعدو أن يكون إلاّ هذا الفرح ذاته. إنّه متعة الجماع والفِعل (الحبّ الّذي نُمارِسه) وسعادة الأزواج والأصدقاء (الحبّ الَّذي نتقاسَمُه مع الغير): لذلك يمكننا القول بأنّه لا وجود لِحُبّ (فيليا) تعيس.لكن ما الصَّداقة؟ هكذا نُترجم عادة كلمة “فيليا” إلى اللّغة الفرنسيَّة؛ إلَّا أنَّنا لا يمكننا اختزالها أو تقزيمها في هذا المعنى. ذلك أنّ الصَّداقة لا تخلو في شيء من الرَّغبة (الَّتي لم تعد حينئذ تعني النّقص بل القوَّة) ولا من العاطفة (بوسع إيروس وفيليا أن يمتزجا بل غالبا ما يمتزج الواحد منهما بالآخر)، ولا من الرَّابط العائلي (يقصد أرسطو بعبارة “فيليا” الحبّ مابين الآباء والأبناء مثلما يقصد بها أيضا الحبّ مابين الأزواج: تقريبا على نحو ما يقصده “مونتاني” الَّذي سيتكلَّم فيما بعد عن الصَّداقة الزَّوجيَّة) ولا من تلك الحميميَّة المُزعِجة والثَّمينة الَّتي تُمَيِّز علاقات الخِلاَّن…إنّ هذا النَّوع من الحبّ، الَّذي لم يَعُد قطّ بمثابة ما كان القديس “توما” يدعوه بحبّ الشَّهوة (أن نحبّ الغير من أجل مصلحتنا نحن بالذَّات)، هو حبّ الرِّفْق (أن نحبّ الغير من أجل مصلحته هو بالذَّات) وسِرُّ سعادة الأزواج. ذلك أنّ هذا الرِّفْق بحسبنا لا يخلو قطّ، من الشَّهوة، الَّتي بقدر ما يتقوَّى عند الخِلاَّن بفضلها بقدر ما يُشعِلُ فَتِيلها. فكيف لنا أنْ لا نَفْرَح بالمتعة الَّتي نُعطِيها ونَنالُها؟ وكيف بنا ألا نُريد الخير للَّذي أو للَّتي تُبادِلُنا إيّاه ؟إنَّ هذا الرِّفق السَّعيد وهذا الفرح الرَّفيق، الَّذي كان الإغريق يُسمُّونه بـ”فيليا” هو الحبّ بحسب أرسطو، على اعتبار أنَّ الحبّ كما أسلفتُ الذّكر هو ما يعني هنا أنْ نَفرَح وأنْ نُرِيدَ الخير لِمَن نَعْشقُه. لكنّه أيضا الحبّ عند سبينوزا حيث نقرأ في كتابه علم الأخلاق: “أنّه فرحٌ مَصحُوبٌ بفكرةِ عِلّةٍ خارجيةٍّ”. من ثمَّة فأنْ نُحبّ إذن هو ما يفيد أنْ نَفرَح بـ. ولهذا السَّبب يمكننا القول بأنَّه لا وجود لِفَرحٍ عدا فرح الحبّ بل لا وجود إلاَّ لِحبٍّ سعيد في ذاته.وماذا عن النّقص؟ إنَّه ليس بجوهر الحبّ؛ بل طارئ من طوارئه حالما يَخُونُنا الواقع، وحالما يُحزِنُنا الحِداد ويُمَزِّقنا. لكنّه لن يُحزِنَنا لَوْ لم تَكُن السَّعادة أوّلا، حاضرة هنا، حتَّى وَلَوْ كَحُلم. أمَّا الرَّغبة فشأنها شأن الحبّ، وهي بالتَّالي ليستْ نقصا: وإذا صح القول بأنّ الرَّغبة قوَّة (قوَّة الاستلذاذ، ولذَّة ازدياد القوَّة)، فالحبّ فرح. ذلك ما يشعر به كُلّ الخِلاّن وكلّ الأصدقاء، عندما يكونون في غاية السَّعادة. على هذا النّحو إذن ينبغي علينا أنْ نَعْلَم أنَّ قَصْدي من وراء تصريحي مثلا، بأنَّني أُحبُّك إنَّما هو أنَّني سعيدٌ بوجودِك.وماذا عن الـ”أغابي”؟ إنَّها أيضا كلمة إغريقيَّة لم تُكتَشف إلاَّ مؤخَّرا، بحيث لم يستعملها قطّ لا أفلاطون ولا أرسطو ولا أبيقور. تَكْفِيهم بالمناسبة، كَلمتَيْ إيروس وفيليا: إنّهم لم يَعْرِفوا إلاَّ العاطفة أو الصَّداقة، أيْ أنّهم لم يَعْرِفُوا إلَّا عذاب النّقص أو فَرَح التّقاسم. لكن حَدَثَ يوما، أنْ شرع يهودي صغير بعد مُضِي مدة طويلة على موت هؤلاء الثلاثة، في الكلام فجأة، بِلُغة سامية غير محتملة، والنُّطق بأمور عجيبة من قبيل:”الله مَحَبّة…أحِبُّوا أقرباءكم …أحِبُّوا أعداءكم…”. إنّ هذه العبارات الغريبة بلا شكّ، في كلّ اللُّغات، عباراتٌ غير قابلة للتَّرجمة على ما يبدو إلى اللّغة الإغريقيَّة. فما الحبّ المقصود هنا؟ هل هو إيروس؟ أم فيليا؟. وعلاوة على ما سلف، سيتجلَّى لنا أنَّنا قاب قوسين من العبث، كلَّما تأملنا جليًّا في هذا الأمر. إذ كيف لله أنْ يَكُون مَخصُوصا مِنْ أيّ شيء كان؟ وكيف له أنْ يَكُون صديقَ أيّ كان؟ لذلك يقول أرسطو أنّه “مِن العبث أنْ نزعُم أنّنا أصدقاء الله.” وبالفعل فكيف لوجودنا التّافِه والبَخيس أنْ يُنمِّي الفرح الإلهي الخالد والمُطْلق…ومَنْ ذا الذي يستطيع أنْ يَطلُب مِنّا بِكلّ لباقة، أنْ نَقَع في غرام قَرِيبنا (أيْ في غرام كلّ النَّاس وأيّ كان) أو أنْ نَكُون عبثا أصدقاء أعداءنا؟؛ لكنّنا بالرَّغم من ذلك كُلِّه، كان من اللاَّزم علينا أنْ نُترجِم هذه التَّعاليم إلى اللُّغة الإغريقيَّة مثلما سنُترجمها اليوم إلى الإنجليزيَّة حتَّى تكون مفهومة مِن لدن الجميع…هكذا وَجَد أتباع عيسى الأوائل (لأن عيسى هو المعني هنا بطبيعة الحال) أنفُسَهم مُجبَرِين على أنْ يَبتكِروا أو أنْ يُعَمِّمُوا عبارة جديدة، تَنْحَدِرُ مِنْ فِعْلٍ (الَّذي يعني أُحبّ) لم يكن له وقتئذ أيّ مرادف: وهذا ما أعطانا مفردة أغابي ، الَّتي سيُترجِمُها اللاَّتينيون بكلمة إحسان …لكن ما المقصود بها؟ يتعلَّق الأمر بِحُبِّ القريب طالما كُنّا قادرين على ذلك: أيْ أنْ نُحِبّ ذلك الذي لا يَنْقُصُنا ولا يُحْسِنُ إلينا (أيْ ذلك الَّذي لَسْنَا عُشَّاقَه ولا أصدقاءَه) لكنّه هُنا، وفقط هنا، ويَلزَمُنا أنْ نُحِبَّه دونما طَمْع، أيْ أنْ نُحِبَّه لِلاشيء إنْ لم نَقُل بالأحرى، لِذَاته كيفما كان، وكيفما كانتْ قِيمَتُه، وكيفما فَعَل بل وحتَّى لَوْ كان عَدُوّا لَنَا…إنَّه الحبّ كما يراه القديس-المسيح، والحبّ كما يراه “جانكليفيتش” و”سيمون فايل”، الذي هو أيضا، إنْ أمكن القول، سِرُّ القداسة. لابدّ لنا أن نُمَيِّز هنا، بين هذا الإحسان المحبوب والمُثِير من جهة والصدقة أو التَّسامح المُتَعجرف من جهة ثانية: إذ يتعلّق الأمر بالأحرى بنوع من الصداقة الكونية لأنها ليست صداقة مُتَحرِّرة من الأنا (وهو ما لا يناسب الصداقة البسيطة تماما على نحو ما سيقوله “مونتاني” وهو بصدد الحديث عن صديقه “لابويسي”: “لأنه كان هوّ ولأنني كنتُ أنا “) والأنانية فحسب، بل هي مُتحرِّرة أيضا من كل شيء. ومن ثمة فهيَّ مُحَرِّرَة. لعلَّ هذا الحب هو ما سوف يغدو بمثابة حب الله إِنْ كان مَوْجُودا(“الله محبة
“ O Théos agapè estin“
هذا ما نقرأه في الرسالة الأولى للقديس يوحنا) وما سَيُلازِمُه أكثر، في قُلوبنا وأحلامِنا، إنْ كان الله غير موجود.تعني إيروس، فيليا وأغابي على التوالي: العاشق المحروم أو الذي يَأْخُذ، العاشق الذي يَفرَح ويَتقاسم ثم العاشق الذي يَستضِيف ويُعطي…لكن علينا أنْ لا نَتَسرَّع في الاختيار مابين هذه الأنواع الثلاثة، مادام أنه لا وجود لِفرَحٍ يخلو من النقص، ولا لِهِبَةٍ تخلو من التقاسُم. وإذا كان من الضروري بمكان أن نُمَيِّز ولوْ فكريا مابين هذه الأنواع الثلاثة من الحبّ أو مابين هذه الدرجات الثلاثة من درجات الحبّ، فذلك ليس إلا لكي ندرك أن هذه الأصناف الثلاثة من الحبّ ضرورية ومرتبطة ببعضها البعض، ولكي نوضح أيضا كيف تتم تلك العمليّة الَّتي بموجبها ننتقل من الواحد إلى الآخر. حيث أن هذه الأنواع ليست ثلاثة جواهر تنبذ بعضها البعض، أكثر مما هي بالأحرى ثلاثة أقطاب في خضم حقل واحد هو حقل الحب أو لنقل أنّها ثلاثة لحظات في سياق مسلسل واحد هو مسلسل الحياة.و لئن كان “إيروس” يمثل اللحظة الأولى على الدوام على حدّ ما ذَكَّرَنا به فرويد بَعْد كُلٍّ من أفلاطون و شوبنهاور، فـ”أغابي” هو الغاية(التي بوسعنا على الأقل أنْ نصبو إليها) التي مافتئت الأناجيل تُبَشِّرُنا بها؛ أما “فيليا” فهو بمثابة الطريق أو لنقل بالأحرى أنه الفرح كطريق: وهو ما يُحَوِّلُ النقصَ قوةً و الفقرَ غنى.أنظروا إلى الطفل الذي يرضع ثدي أمه، ولاحظوا الأم التي تَمنحُه إيّاه! لقد كانت هي الأخرى بالتأكيد طفلة فيما قبل: كلُّ واحد منا ابتدأ بالأخذ الذي يُعتبر سلفا أسلوبا من أساليب الحب. لكننا بعدئذ، نتعَلَّم أنْ نُعطِي ولوْ قليلا، ولوْ أحيانا؛ وتِلكم هيّ الطريقة الوحيدة التي تَجعلُنا أوفياء حتى النهاية للحب الذي تَلقَّيْناه، باعتباره الحب الإنساني الغير المُفْرِط في الإنسانية أبدا. إنها الطريقة الوحيدة للتعبير عن وفائنا سواء لذلك الحب الضئيل والكئيب الذي بالرغم من محدوديته يبقى مع ذلك حاملا لصورة اللانهائي؛ أو لذلك الحب الذي كُنّا موضوعَه وجَعَلَ مِنّا كائنات فاعلة؛ أو لذلك الحب الغير المُستَحَقّ الذي سَبَقَنَا باعتباره عطفا (رحمة) والذي أنْجَبَنَا دون أن يَخْلُقَنا؛ إنها بتعبير آخر، طريقة للوفاء لذلك الحب الذي خَفَّفَ مِن حُزْنِنا ونَظَّفَنا وغَدَّانا وحَمَانا ووَاسَانا؛ إنّها أيضا طريقة للوفاء لذلك الحب الذي صَاحَبَنا كُلِّيا وكُنّا بحاجة إليه، وكان يُفْرحنا ويُحْزننا ويُحَمِّسُنا…فما الذي سنَعرِفُه يا ترى، عن الحبّ لَوْ لم يكن ثمَّة وجود للأمَّهات؟ وما الَّذي سنَعْرِفُه عن الله لَوْ لَمْ يكن ثمَّة حبّ؟وفضلا عن ذلك، هل يُمكننا البوح فلسفيًّا بالحبّ؟ أجل وقد يكون مثلا على النَّحو التَّالي:هناك الحبّ كما يراه أفلاطون:”إنِّي أُحبُّك،إنّي مشتاق إليك وأريدك”.وهناك الحبّ كما يراه أرسطو أو سبينوزا:”إنّي أحبُّك: إنّك عِلَّة فَرَحي وذلك يُفرِحُني”.وهنالك الحبُّ كما يراه “جانكلفيتش”أو “سيمون فايل”:”إنّي أحبُّك كما أحبّ نفسي، الَّتي ليست شيئا أو هي لاشيء تقريبا؛ إنّي أحبّك على نحو الله الَّذي يُحِبُّنا إنْ كان موجودا؛ إنّي أحبّك كأيّ كان: إنّي أُسَخِّرُ قوَّتي خدمة لضُعفِكَ، كما أُسَخِّر هذا القدر القليل من القوَّة الَّتي أملِكُها خدمة لضُعْفِكَ الهائل…”إيروس، فيليا وأغابي: العاشِق الَّذي يأخذ، والَّذي لا يعرف إلا أنْ يستلذّ أو أنْ يعاني، أنْ يَحُوز أو أنْ يَفْقِد؛ العاشق الَّذي يَفْرَح ويَقْبل التَّقاسم، والَّذي يُرِيد الخير لكلّ من بَادَلَه إيّاه؛ وأخيرا العاشق الّذي يَرْضى ويَصُون، يُعْطي ويَهَبُ نفسه، بحيث أنّه لم يَعُد بحاجة حتَّى لأنْ يكون محبوبا…إنّي أحبّك بكلّ هذه الطّرق: إنّي أعشقك بجنون، وأتقاسم معك بكلّ سعادة كلا من حياتك وسريرك وغرامك، وأَهبُكَ نفسي وأُسَلِّمُك أمْرِي بلُطف…لكَ جزيل الشكر على ما أنتَ إيَّاه: وأَشكُرُكَ لأنكَ تُوجَدُ و تُساعِدُنِي بِدَوْرِي،على أنْ أُوجَد ! ”ـ
« L’amour est le sujet le plus intéressant. D’abord en lui-même, par le bonheur qu’il promet ou semble promettre – voire par celui, parfois, qu’il menace ou fait perdre. Quel sujet, entre amis, plus agréable, plus intime, plus fort ? Quel discours, entre amants, plus secret, plus doux, plus troublant ? Et quoi de plus passionnant, de soi à soi, que la passion ?
On dira qu’il y a d’autres passions qu’amoureuses, d’autres amours que passionnels… Cela, qui est très vrai, confirme mon propos: l’amour est le sujet le plus intéressant, non seulement en lui-même par le bonheur qu’il promet ou compromet -, mais aussi indirectement: parce que tout intérêt le suppose. Tu t’intéresses davantage au sport ? C’est que tu aimes le sport. Au cinéma ? C’est que tu aimes le cinéma. A l’argent ? C’est que, tu aimes l’argent, ou ce qu’il te permet d’acheter. A la politique ? C’est que tu aimes la politique, ou le pouvoir, ou la justice, ou la liberté… A ton travail ? C’est que tu l’aimes, ou que tu aimes, à, tout le moins, ce qu’il t’apporte ou t’apportera… A ton bonheur? C’est que tu t’aimes toi-même, comme tout le monde, et que le bonheur n’est pas autre chose, sans doute, que l’amour de ce qu’on est, de ce qu’on a, de ce qu’on fait… Tu t’intéresses à la philosophie ? Elle porte l’amour dans son nom (philosophia, en grec, c’est l’amour de la sagesse) et dans son objet (quelle autre sagesse que d’aimer ?). Socrate, que tous les philosophes révèrent, n’a jamais prétendu à autre chose. Tu t’intéresses, même, au fascisme, au stalinisme, à la mort, à la guerre ? C’est que tu les aimes, ou que tu aimes, plus vraisemblablement, plus justement, ce qui leur résiste: la démocratie, les droits de l’homme, la paix, la fraternité, le courage… Autant d’intérêts différents, autant d’amours différents. Mais nul intérêt sans amour, et cela me ramène à mon point de départ: l’amour est le sujet le plus intéressant, et aucun autre n’a d’intérêt qu’à proportion de l’amour que nous y mettons ou y trouvons.
Il faut donc aimer l’amour ou n’aimer rien – il faut aimer l’amour ou mourir; c’est pourquoi l’amour, non le suicide, est le seul problème philosophique vraiment sérieux.
Je pense, on l’a compris, à ce qu’écrivait Albert Camus, au tout début du Mythe de Sisyphe: « Il n’y a qu’un problème philosophique vraiment sérieux c’est le suicide. Juger que la vie vaut ou ne vaut pas la peine d’être vécue, c’est répondre à la question fondamentale de la philosophie. » Je souscrirais volontiers à la deuxième de ces phrases; c’est ce qui m’interdit d’acquiescer absolument à la première. La vie vaut-elle la peine d’être vécue ? Le suicide supprime le problème, davantage qu’il ne le résout; l’amour seul, qui ne le supprime pas (puisque la question se repose tous les matins, et tous les soirs), le résout à peu près, tant que nous sommes vivants, et nous maintient en vie. Que la vie vaille ou non la peine d’être vécue, qu’elle vaille ou non, plutôt, la peine et le plaisir d’être vécue, cela dépend d’abord de la quantité d’amour dont on est capable. C’est ce qu’avait vu Spinoza: « Toute notre félicité et toute notre misère ne résident qu’en un seul point: à quelle sorte d’objet sommes-nous attachés par l’amour ? » Le bonheur c’est un amour heureux, ou plusieurs; le malheur, un amour malheureux, ou plus d’amour du tout. La psychose dépressive ou mélancolique, dira Freud, se caractérise d’abord par la perte de la capacité d’aimer » y compris de s’aimer soi. Qu’on ne s’étonne pas si elle est si souvent suicidaire. C’est l’amour qui fait vivre, puisque c’est lui qui rend la vie aimable. C’est l’amour qui sauve; c’est donc lui qu’il s’agit de sauver.
Mais quel amour ? Et pour quel objet ?
Car l’amour est multiple, d’évidence, comme ses objets sont innombrables. On peut aimer l’argent ou le pouvoir, je l’ai dit, mais aussi ses amis, mais aussi cet homme ou cette femme dont on est amoureux, mais aussi ses enfants, ses parents, voire n’importe qui: celui qui est là, simplement, et c’est ce qu’on appelle le prochain.
On peut aussi aimer Dieu, si l’on y croit. Et croire en soi, si l’on s’aime au moins un peu.
L’unicité du mot, pour tant d’amours différents, est source de confusions, voire parce que le désir inévitablement s’en mêle d’illusions. Savons-nous de quoi nous parlons, lorsque nous parlons d’amour ? Ne profitons-nous pas, bien souvent, de l’équivoque du mot pour cacher ou enjoliver des amours équivoques, je veux dire égoïstes ou narcissiques, pour nous raconter des histoires, pour faire semblant d’aimer autre chose que nous-mêmes, pour masquer – plutôt que pour corriger – nos erreurs ou nos errements ? L’amour plaît à tous. Cela, qui n’est que trop compréhensible, devrait nous pousser à la vigilance. L’amour de la vérité doit accompagner l’amour de l’amour, l’éclairer, le guider, quitte à en modérer, peut-être, l’enthousiasme. Qu’il faille s’aimer soi, par exemple, c’est une évidence comment pourrait-on nous demander, sinon, d’aimer notre prochain comme nous-même ? Mais qu’on n’aime souvent que soi, ou que pour soi, c’est une expérience et c’est un danger. Pourquoi nous demanderait-on, autrement, d’aimer aussi notre prochain ?
Il faudrait des mots différents, pour des amours différents. En français, ce ne sont pas les mots qui manquent: amitié, tendresse, passion, affection, attachement, inclination, sympathie, penchant, dilection, adoration, charité, concupiscence… On n’a que l’embarras du choix, et cela, en effet, est bien embarrassant. Les Grecs, plus lucides que nous peut-être, ou plus synthétiques, se servaient principalement de trois mots, pour désigner trois amours différents. Ce sont les trois noms grecs de l’amour, et les plus éclairants, à ma connaissance, dans toutes les langues: éros, philia, agapè. J’en ai parlé longuement dans mon Petit Traité des grandes vertus. Je ne peux ici qu’indiquer brièvement quelques pistes.
Qu’est-ce qu’éros ? C’est le manque, et c’est la passion amoureuse. C’est l’amour selon Platon: « Ce qu’on n’a pas, ce qu’on n’est pas, ce dont on manque, voilà les objets du désir et de l’amour. » C’est l’amour qui prend, qui veut posséder et garder. Je t’aime: je te veux. C’est le plus facile. C’est le plus violent. Comment ne pas aimer ce qui manque ? Comment aimer ce qui ne manque pas ? C’est le secret de la passion (qu’elle ne dure que dans le manque, le malheur, la frustration); c’est le secret de la religion (Dieu est ce qui manque absolument).Comment un tel amour, sans la foi, serait-il heureux ? Il lui faut aimer ce qu’il n’a pas, et souffrir, ou avoir ce qu’il n’aime plus (puisqu’il n’aime que ce qui manque) et s’ennuyer… Souffrance de la passion, tristesse des couples: il n’y a pas d’amour (éros) heureux.
Mais comment serait-on heureux sans amour ? Et comment, tant qu’on aime, ne le serait-on jamais ? C’est que Platon n’a pas raison sur tout, ni toujours. C’est que le manque n’est pas le tout de l’amour: il nous arrive aussi, parfois, d’aimer ce qui ne nous manque pas – d’aimer ce que nous avons, ce que nous faisons, ce qui est -, et d’en jouir joyeusement, oui, d’en jouir et de nous en réjouir ! C’est ce que les Grecs appelaient philia, disons que c’est l’amour selon Aristote (« Aimer, c’est se réjouir ») et le secret du bonheur. Nous aimons alors ce qui ne nous manque pas, ce dont nous jouissons, et cela nous réjouit, ou plutôt notre amour est cette joie même. Plaisir du coït et de l’action (l’amour qu’on fait), bonheur des couples et des amis (l’amour qu’on partage): il n’y a pas d’amour (philia) malheureux.
L’amitié ? C’est ainsi qu’on traduit ordinairement philia en français, ce qui n’est pas sans en réduire quelque peu le champ ou la portée. Car cette amitié-là n’est exclusive ni du désir (qui n’est plus manque alors mais puissance), ni de la passion (éros et philia peuvent se mêler, et se mêlent souvent), ni de la famille (Aristote désigne par philia aussi bien l’amour entre les parents et les enfants que l’amour entre les époux: un peu comme Montaigne, plus tard, parlera de l’amitié maritale), ni de la si troublante et si précieuse intimité des amants… Ce n’est plus, ou plus seulement, ce que saint Thomas appelait l’amour de concupiscence (aimer l’autre pour son bien à soi); c’est l’amour de bienveillance (aimer l’autre pour son bien à lui) et le secret des couples heureux. Car on se doute que cette bienveillance n’exclut pas la concupiscence: entre amants, elle s’en nourrit au contraire, et l’éclaire. Comment ne pas se réjouir du plaisir qu’on donne ou qu’on reçoit ? Comment ne pas vouloir du bien à celui ou celle qui nous en fait ?
Cette bienveillance joyeuse, cette joie bienveillante, que les Grecs appelaient philia, c’est l’amour selon Aristote, disais-je: aimer, c’est se réjouir et vouloir le bien de celui qu’on aime. Mais c’est aussi l’amour selon Spinoza: « une joie, lit-on dans l’Éthique, qu’accompagne l’idée d’une cause extérieure ». Aimer, c’est se réjouir de. C’est pourquoi il n’est d’autre joie que d’aimer; c’est pourquoi il n’est d’autre amour, dans son principe, que joyeux. Le manque? Ce n’est pas l’essence de l’amour; c’est son accident, quand le réel nous fait défaut, quand le deuil nous blesse ou nous déchire. Mais il ne nous blesserait pas si le bonheur d’abord, fût-ce en rêve, n’était là. Le désir n’est pas manque; l’amour n’est pas manque: le désir est puissance (puissance de jouir, jouissance en puissance), l’amour est joie. Tous les amants le savent, quand ils sont heureux, et tous les amis. Je t’aime: je suis joyeux que tu existes.
Agapè ? C’est encore un mot grec, mais très tardif. Ni Platon, ni Aristote, ni Épicure, d’un tel mot, n’eurent jamais l’usage. Éros et philia leur suffisaient ils ne connaissaient que la passion ou l’amitié, que la souffrance du manque ou la joie du partage. Mais il se trouve qu’un petit juif, bien après la mort de ces trois-là, s’est mis soudain, dans une lointaine colonie romaine, dans un improbable dialecte sémitique, à dire des choses étonnantes: « Dieu est amour…Aimez votre prochain… Aimez vos ennemis… » Ces phrases, sans doute étranges dans toutes les langues, semblaient, en grec, à peu près intraduisibles. De quel amour pouvait-il s’agir ? Éros ? Philia ? Cela nous vouerait à l’absurdité. Comment Dieu pourrait-il manquer de quoi que ce soit ? Être l’ami de qui que ce soit? « Il y a quelque ridicule, disait déjà
Aristote, à se prétendre l’ami de Dieu. » De fait, on voit mal comment notre existence, si piètre, si dérisoire, pourrait augmenter l’éternelle et parfaite joie divine… Et qui pourrait décemment nous demander de tomber amoureux de notre prochain (c’est-à-dire de tout le monde et de n’importe qui !) ou d’être l’ami, absurdement, de nos ennemis ? Pourtant il fallait traduire cet enseignement en grec, comme on le ferait aujourd’hui en anglais, pour être compris du monde… Les premiers disciples de Jésus, car c’est bien sûr de lui qu’il s’agit, durent pour cela inventer ou populariser un néologisme, forgé à partir d’un verbe (agapan: aimer) qui n’avait pas de substantif usuel: cela donna agapè, que les Latins traduiront par caritas, et les Français, le plus souvent, par charité… De quoi s’agit-il ? De l’amour du prochain, pour autant que nous en soyons capables de l’amour pour celui qui ne nous manque ni ne nous fait du bien (dont on n’est ni amoureux ni l’ami), mais qui est là, simplement là, et qu’il faut aimer en pure perte, pour rien, ou plutôt pour lui, quoi qu’il soit, quoi qu’il vaille, quoi qu’il fasse, et fût-il notre ennemi… C’est l’amour selon Jésus-Christ, c’est l’amour selon Simone Weil ou Jankélévitch, et le secret, si elle est possible, de la sainteté. On ne confondra pas cette aimable et aimante charité avec l’aumône ou la condescendance: il s’agirait bien plutôt d’une amitié universelle, parce que libérée de l’ego (ce qui n’est pas le cas de l’amitié simple; « parce que c’était lui, parce que c’était moi », dira Montaigne à propos de son amitié pour La Boétie), libérée de l’égoïsme, libérée de -tout, et pour cela libératrice. Ce serait l’amour de Dieu, s’il existe (« O Théos agapè estin », lit-on dans la première épître de saint Jean: Dieu est amour), et ce qui s’en approche le plus, dans nos coeurs ou nos rêves, si Dieu n’existe pas.
Éros, philia, agapè: l’amour qui manque ou qui prend; l’amour qui se réjouit et partage; l’amour qui accueille et donne… Qu’on ne se dépêche pas trop, entre les trois, de vouloir choisir ! Quelle joie sans manque ? Quel don sans partage ? S’il faut distinguer, au moins intellectuellement, ces trois amours, ou ces trois types d’amour, ou ces trois degrés dans l’amour, c’est surtout pour comprendre qu’ils sont tous les trois nécessaires, tous les trois liés, et pour éclairer le processus qui mène de l’un à l’autre. Ce ne sont pas trois essences, qui s’excluraient mutuellement; ce sont plutôt trois pôles dans un même champ, qui est le champ d’aimer, ou trois moments dans un même processus, qui est celui de vivre. Éros est premier, toujours, et c’est ce que Freud, après Platon ou Schopenhauer, nous rappelle; agapè est le but (vers lequel nous pouvons au moins tendre), que les Évangiles né cessent de nous indiquer; enfin philia est le chemin, ou la joie comme chemin: ce qui transforme le manque en puissance, et la pauvreté en richesse.
Voyez l’enfant, qui prend le sein. Et voyez la mère, qui le donne. Elle a bien sûr été un enfant d’abord: nous commençons tous par prendre, et c’est une façon déjà d’aimer. Puis nous apprenons à donner, au moins un peu, au moins parfois, et c’est la seule façon d’être fidèle jusqu’au bout à l’amour reçu, à l’amour humain, jamais trop humain, à l’amour si faible, si inquiet, si limité, et qui fait pourtant comme une image de l’infini, à l’amour dont nous avons été l’objet, et qui nous a faits sujets, à l’amour immérité qui nous précède, comme une grâce, qui nous a engendrés, et non pas créés, à l’amour qui nous a bercés, lavés, nourris, protégés, consolés, à l’amour qui nous accompagne, définitivement, et qui nous manque, et qui nous réjouit, et qui nous bouleverse, et qui nous éclaire… S’il n’y avait pas les mères, que saurions-nous de l’amour ? S’il n’y avait pas l’amour, que saurions-nous de Dieu ?
Une déclaration philosophique d’amour ? Ce pourrait être, par exemple, celle-ci
« Il y a l’amour selon Platon: « Je t’aime, tu me manques, je te veux. »
Il y a l’amour selon Aristote ou Spinoza: « Je t’aime: tu es la cause de ma joie, et cela me réjouit. »
Il y a l’amour selon Simone Weil ou Jankélévitch: « Je t’aime comme moi-même, qui ne suis rien, ou presque rien, je t’aime comme Dieu nous aime, s’il existe, je t’aime comme n’importe qui je mets ma force au service de ta faiblesse, mon peu de force au service de ton immense faiblesse… »
Éros, philia, agapè: l’amour qui prend, qui ne sait que jouir ou souffrir, que posséder ou perdre; l’amour qui se réjouit et partage, qui veut du bien à celui qui nous en fait; enfin l’amour qui accepte et protège, qui donne et s’abandonne, qui n’a même plus besoin d’être aimé…
Je t’aime de toutes ces façons: je te prends avidement, je partage joyeusement ta vie, ton lit, ton amour, je me donne et m’abandonne doucement…
Merci d’être ce que tu es: merci d’exister et de m’aider à exister ! »
656527 partagesJ’aimeCommenterPartager