Arwiqa Portiques – أروقة

روني شار

سيّد الفرح المستحيل، صانع الرؤى الهاربة

عن الفرنسية

 ترجمة وإعداد آسية السخيري

آسيا السخيري، شاعرة ومترجمة من تونس Essia Skhiri, poète et traductrice tunisienne

» الكلمات في الشعر تستبق بضوئها إدراكا عاتما لشاهد على التماعاتها يسعى إلى أسراب معانيها ومدلولاتها. »*

روني شار

مؤلفات رونيه شار تنضح بقدراته الرؤياوية وبتجاربه المذهلة الناهلة من جوهر الحياة وروحها مما ينم عن قريحة حقيقية تعيد الأشكال بكل أنواعها إلى أصلها وتوائم بين مختلف العناصر مهما تنافرت بحنان قل أن يتوفر لدى مبدع آخر. مؤلفات رينيه شار هي قطع من الحلم المارق، من الذكريات الغامضة البعيدة المتوغلة في الروح، الراسخة فيها…أشعار رونيه شار هي ارتحال في الذات عندما تبلغ أقسى حالات غربتها وهي سحابات من ضوء و ماء مزن عندما تهطل تتجلى الروح في أبهى معانيها وهنا يمكن اكتشاف كم كان رينيه شار ذاك الصوفي الذي ما أجمل ما غنى للحياة في أبهى تجلياتها وما أروع ما شدا لما وراء الحياة و ما هو أمامها وفوقها وتحتها مما لا يمكن المسك به يسرا.أشعار رونيه هي أغنية الإنسان   التي لا تتدهور.

 ولد رونيه شار في الرابع عشر من حزيران من سنة سبعة وتسعمائة وألف بمدينة « ليل سور لا سورغ » جنوب فرنسا . انضم رينيه شار إلى الحركة السريالية التي ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى وكانت شكلا من أشكال التمرد والاحتجاج على فظاعات هذه الحرب وآفاتها ومآسيها التي جرتها على الإنسانية. بعد أن تعرف عليه بول إيلوار في منطقته التي كانت تكاد تكون معزولة و لفتته موهبته الفذة ، أقنعه بالسفر إلى باريس حيث أمكنه التعرف إلى فرسان هذه الحركة وعلى رأسهم مؤسسها أندريه بريتون . غير أن انضمام رونيه شار إلى هذه الجماعة كان عابرا إذ رغم تحمسه في البداية لمشروعهم و مساهمته في المقاومة ابتعد بمحض اختياره عن رفاق دربه السرياليين كي ينغمس بهوس عذب في شعريته الثرية التي تهز الروح وترتحل بها إلى أقاصي الفضاءات المترعة بجمال بكر لا يعطي غالبا أسراره بسهولة وهنا يجب عدم إغفال ما كان لهذه المرحلة من دور فعال في نتاج رونيه شار الشعري إذ هي التي فتحت قريحته على التمرد على الأشكال المألوفة في كل ما يتعلق بالحياة و بالأدب أساسا فكان انفتاحه على أجواء جديدة وبناءات مختلفة للقصيد تقطع مع كل ما هو كلاسيكي.

ابتداء من سنة خمس وأربعين وتسعمائة وألف نذر رونيه شار حياته لمؤلفه الشعري و تفرغ له فكان أن أخلص له الشعر بأن جعله من أجمل الأصوات الشعرية عالميا . تميز رينيه شار بأسلوبه المتفرد الذي لم يضاهه فيه أي من مجايليه و قد كان صديقا لأهم وأشهر المعاصرين له من الفنانين مثل بيكاسو وبراك وجياكوميتي وميرو.أشعار رونيه شار تؤسس نفسها بمفاهيم كبيرة أهمها التوحد و التركيز والنسك و التقشف والإيثار و المقاومة الحقيقية التي تنحو نحو الفعل مما منحها كثافة فلسفية عميقة.

روني شار وجاك لانغ

René Char et Jacques Lang, Crédits: Serge Assier/Contributeur-AFP

من قصائده استوحى الكثير من الفنانين الكبار من أصدقائه أجواء لوحاتهم كما أن « بيير بوليز » المؤلف الموسيقي العالمي وقائد الأوركسترا المشهور استوحى أهم أوبرات له من ديوان

Le marteau sans maître

 وقد ركز فيها خاصة على قصيدي « وجه عرسي » و »شمس المياه » اللذين كان الشاب بوليز (بين سنتي 1953 و 1956) مفتتنا بتداعياتهما فذهب بهما إلى أقاصي لغة موسيقية جديدة جعلها ترتقي مراقي لا تسلم نفسها لغير الصرف والجوهر من الكلمات الألحان المنثورة التي تنحت بذاتها قواعد نحوها وصرفها وسلمها ونوتاتها المنفلتة و التي لا ترضخ للتصنيف أو للتكريس عادة.

الترجمة الحرفية لديوان « رونيه شا »ر   »

Le marteau sans maître« 

هي « مطرقة بدون معلم » غير أنني كنت أود لو أنني هنا جعلت ترجمة كلمة مطرقة مخالفا لما اتفق عليه حيث أن المفردة

marteau

يمكنها أيضا أن تكون وحسب القواميس حمالة للمعنى التالي في اللغة الفرنسية وهو المجنون قليلا… هنا أريد أن أصر على علاقة الإبداع والفن الحقيقي الوطيدة بذلك الجنون الجميل الذي يبحث بين ومضاته الحارقة عن كثير من الرؤى الآبقة المتعصية التي لا يمكن توصيفها بالهذيانات ولا بسليلات عقل ينحو نحو فكر مترفهة تعطي نفسها بسهولة مهما كان عمقها. تلك إشراقات أعلى من أن تعطي أسماءها وتدخل في تصنيفات معهودة…تلك إشراقات لا ترضخ لغير ضوئها الآبق… تلك هي الحقيقة في أبهى تجلياتها وذاك هو رينيه شار الذي أمضى حياته مرتحلا عبر المعنى بحثا عنها…


« هناك لقاءات مثرية وكأنها الفجر ». « روني شار » الى « ألبير كامو »،
 أكتوبر 1974

توفي رونيه شار على إثر أزمة قلبية في التاسع عشر من شباط من سنة ثماني وثمانين وتسعمائة وألف بـ  » ليل سور لا سورغ  » لكن أسطورته لم تنطفئ لأن صوته الصادح ظل يفيء إليه الباحثون عن وجوههم في عتمة ليل بهيم لا سبيل إلى تفاديه بغير ذاك الإبحار الجميل في الذات الإنسانية وفي الرؤى المارقة. ظهر في أيار من نفس السنة ديوانه « في مديح مشتبه بها « .

تم اعتماد هذه المعلومات من الموقعين الإلكترونيين ويكيبيديا و بيار دو لون ومصادر أخرى: 

http://fr.wikipedia.org/wiki/Ren%C3%A9_Char

  http://www.pierdelune.com/char2.htm  

*كما أن هناك بعض المقاطع التي وقعت ترجمتها  حرفيا..

من إلماعات رونيه شار الخالدة

ـــ الشاعر الحقيقي يعرف من كم الصفحات الغير ذات معنى التي لا يكتبها.

ـــ كيف يمكننا العيش بدون مجهول مترصد أمامنا؟

ـــ القصيد هو الحب تحققه رغبة أضحت فعلا رغبة.

ـــ  غيظ وغموض، الواحد تلو الآخر يفتنانه و يفنيانه ثم تأتي السنة التي تنهي نزاع كاسر الحجر* الذي يملؤه.

ـــ يرفضون وعيونهم مفتحة ما يقبل الآخرون وعيونهم مغلقة.

ـــ افرض فرصتك، شد على سعادتك وضمها، واذهب صوب مجازفتك. هم لفرط رؤيتك سوف يتعودون.

ـــ ما يأتي إلى هذا العالم دون أن يعكر أي شيء ليس جديرا بأي اعتبار أو حلم.

ـــ يشتغل كبدائي ويتنبأ كخبير بارع في التخطيط و التدبير والاحتراب…   

ـــ جمع ثم وزع…لتكن جزء المرآة الأكثر كثافة للكون …

ـــ في أقاصي العاصفة، ثمة دائما عصفور يسكن من روعنا. هو طائر المجهول يغني قبل أن يحلق من جديد.

ـــ انقطعنا عن الكلام مع الذين نحبهم، بيد أن ذلك لم يكن صمتا أبدا.

ـــ  في شوارع المدينة يوجد حبي. ليس مهما أين يذهب في الزمن المقسم . هو لم يعد أبدا حبي. الجميع يمكنهم أن يتحدثوا إليه. هو لم يعد يذكر مطلقا من يحبه بصدق.

ـــ يجب أن تكون رجل المطر وطفل الطقس الجميل.

ـــ يوجد نوع من الرجال من الذين يسبقون دوما برازهم.

ـــ يجب النفخ على بعض الومضات كي يصنع الضوء الحقيقي.

*كاسر الحجر: جنس زهر جميل من فصيلة القلبيات كثير التويجات ينمو في الجبال.

من مؤلفات روني شار

ـــ مطرقة بدون معلم (1934 )ء

ـــ خزانة لدرب تلاميذ (1937)ء

ـــ في الخارج، الليل محكوم (1938)ء 

ـــ ورقات هيبنوس* (1946)ء

ـــ غضب وسر غامض (1948)ء

ـــ الكلمات على شكل أرخبيل (1962)ء

ـــ الليلة الطلسمية (1972)* هيبنوس هو إله النوم في الميتولوجيا الإغريقية

من قصائد روني شار

J’habite une douleur
Recueil « Le poème pulvérisé »

Ne laisse pas le soin de gouverner ton cœur à ces tendresses parentes de l’automne auquel elles empruntent sa placide allure et son affable agonie. L’œil est précoce à se plisser. La souffrance connaît peu de mots. Préfère te coucher sans fardeau: tu rêveras du lendemain et ton lit te sera léger. Tu rêveras que ta maison n’a plus de vitres. Tu es impatient de t’unir au vent, au vent qui parcourt une année en une nuit. D’autres chanteront l’incorporation mélodieuse, les chairs qui ne personnifient plus que la sorcellerie du sablier. Tu condamneras la gratitude qui se répète. Plus tard, on t’identifiera à quelque géant désagrégé, seigneur de l’impossible.
Pourtant.
Tu n’as fait qu’augmenter le poids de ta nuit. Tu es retourné à la pêche aux murailles, à la canicule sans été. Tu es furieux contre ton amour au centre d’une entente qui s’affole. Songe à la maison parfaite que tu ne verras jamais monter. A quand la récolte de l’abîme? Mais tu as crevé les yeux du lion. Tu crois voir passer la beauté au-dessus des lavandes noires…
Qu’est-ce qui t’a hissé, une fois encore, un peu plus haut, sans te convaincre?

Il n’y a pas de siège pur.

أعيش ألما
ديوان القصيد الهباء (1945 – 1947 )ء

لا تدَعْ العِنايَةَ بتدْبيرِ أمورِ قلبِكَ والتَّحكُمِ بِه لذاك الحنُوِّ وتلك الرِّقةِ، قريبيْ الخريفِ الَّذي يستعيران منْه هيْأتَه السَّاكِنةَ وأُنْسَ احتِضارِه البشوشِ الحفِيِّ. العيْنُ مبَكِّرةٌ على الطَّيِّ. المُعاناةُ لا تهْتدي لغيْرِ نزْرٍ من المُفْرداتِ. آثِرْ الخُلودَ إلَى النوْمِ دونَ أعْباءٍ: ستتهاطلُ حينها رُؤاكَ. سوْفَ تحلُم بِالغدِ وسيغْدو فِراشُكَ خفيفًا. ستحلُم بأنَّه لم يعُد ثمَّةَ لبيْتِكَ زجاجُ نوافِذَ. أنتَ تتعجَّلُ اتِّحادَكَ بالريحِ… الريحِ الَّتي تقطعُ مسافةَ سنةٍ في ليلةٍ يتيمةٍ. ثمَّةُ آخرون يهزِجون لِإدْماجِ الأنغام وتضْمينِها. الشهواتُ التي لا تُجسِّد غيرَ سِحْرِ الساعةِ الرَّملِيَّةِ. ستُدينُ الامتِنانَ المُتكرِّرَ. لاحِقًا، هم سيُماثِلونَكَ بأحدِ الجبابِرةِ العمالِقةِ المُتحَلِّلينَ المُتفسِّخين. سيُعرِّفونك بِسيِّدِ المُسْتحيلِ.

بيْدَ أنَّ..
كلَّ الَّذي أنجزْتَه هوَ أنَّك زِدْتَ ليْلَك ثِقلًا. لقد عُدْتَ إلَى الصَّيْدِ عنْد الأسْوارِ،إلى القيلولة القائِظةِ وموْجاتِ الحرِّ دون صيْفٍ. أنتَ غاضِبٌ إلَى حدِّ الهيَجانِ علَى حبِّكَ في مِحْوَرِ وِفاقِ مُتولِّهٍ محْمومٍ. خمِّنْ في البيْتِ المِثالِيِّ الَّذي لنْ تراهُ أبدًا يسْمق. حتَّامَ يتواصلُ جنْيُ خرابِ الهاوِيَةِ؟ لكنَّكَ فقأْتَ عيْنَيْ الأسدِ. أنتَ تظُنُّ أنَّكَ رأيْتَ البهاءَ يمرُّ فوْقَ الخُزامَى السوْداءَ…
ما الَّذي رفعَك، مرَّةً أُخْرَى، أعْلَى قليلاً، دون أن تقْتنِعَ؟
لا يُوجَدُ مقْعدٌ طاهرٌ نقِيٌّ.

Quitter la version mobile